كانت جديلتها منسابة كصهيل طويل، تناقلت بيوت (حي الخزان) فتنتها وبهاءها، بينما راوغت هي بثلاث غمازات، وضحكة يُتما باغت عامها الأول. موضي لم تكن فقط تحب الحياة بل كانت ترتشفها باستمتاع، ومن ثم تحرص على الانغمار بقطف أجمل ما في حقولها لترصفها شتلات تزركش بها مجلسها. موضي جربت بواكير أمومتها معي ومشطتني، ولكنها حين غادرت لم أستطع أن استرد منها جزئي المضيء الموضي الذي رافقها إلى قبرها. نحملق في الوقت والساعات، موضي كانت أيضا تحملق معنا وتجفلها هرولة الزمان، لكن عندما سيأتي رمضان لهذا العام، وتصطف كؤوس شراب التوت، هل نطلب منهم أن يزيلوا كأسا، أو يستبدلوها بكوب مرار سنظل نتجرعه، بعد أن توقفت الجدران عن مراقصة خطوها.. موضي كانت النصف الممتلئ من الكؤوس الموسمية، لايبقى كأس فارغة في حضرتها، بل نسمع أصوات أباريق الفرح تصلصل عند الباب مع (غوايشها) عندما تكون بالباب. ستبحلق أباريق الفرح ببعضها طويلا.. من سيحلب نجوم الفجر وريق البهجة؟ أين أخفت موضي حقيبة الحكايات؟ لن أعبث بها، ولن أغير مواضع الحكايات فوق الأرفف وداخل الأدراج، لكن سأحاول أن أنال نظرة خاطفة من مسرحها حيث عرشها تعرش على أعمدته كروم العنب، وعرائس من صهيل ونخيل يفتقن سواقي الحكاية. هناك حيث ترمم المسافات باتجاه وحشة وخجل الغرباء بالأحاديث المجلجلة، لا وحشة في مجلسها، ستقترب منك وستمنحك حفنة رطب وأكليلا مجدولا بالأماني الرطبة. تستجلب الأيام وتنثرها لؤلؤا بين أيدينا، وحكايات لم يكن هناك من بطل لها إلا هي، تسكب عليها من شاهق بسماتها.. فيبرقون أبطالا في دراما باذخة لا تتنازل عن متعتها. أين حقيبة حكاياتها؟ لا أود أن أعود بخيبتي فقط، أود أن أستأثر ببعض الحكايات لي كتمر نكنزه لشتاء طويل.. لربما سأقتني حكاية الرجل الذي كان يعمل سائقا لسيارة إسعاف، وكان يتبرع بتوصيل نساء الحي إلى مناسباتهن السعيدة عبر تلك السيارة، أو رقصة الفجر لسيدة زادت ملح الطعام في (جريش) السحور، أو النساء اللواتي خشين من تعويذة سحر ستحلق بهن بين غرفات المنزل، لكن أي من تلك الحكايات لن تعيدها وتنشئها كرة أخرى، لن يكون هناك سوى هيكل خاوٍ.. لأن موضي قررت أن تفر بها إلى أرض بعيدة. أيتها الريح لماذا وضعتها على قائمة الخريف لهذا العام؟ وهناك الكثير من الورق الأصفر على جدولك لماذا بدأت بموضي؟ ستجدب الحكايات، من سيجرؤ على ارتكاب السرد على أسماعنا دون أن نخدش تلك الذكرى الطروب التي كنا نظنها أزلا.. قبل أن تقرر ممازحتنا وتدلف إلى منعطف الهُناك، الذي يذهب إليه البعض ويقررون ألا يعودوا. ولكن حتما في الهناك ستعود موضي لتنسج الحكايات من جديد، وستلتفت الرقاب لها مأخوذة بها، وستبدأ في غزل الأكاليل.. سيصلنا بعضها.. فنظن أنها ذكرى.. ونظن أنه حلم.. لكن سنبقى نتداول حكاياتها، حتى وإن قررت هي أن تمازحنا وتختفي وراء منعطف الغياب. لمراسلة الكاتب: oalkhamis@alriyadh.net
مشاركة :