آخر مهرجان سينمائى عالمى حضرته قبل تطبيق الاحتراز هو برلين 2020، كانت بعض الدول فى شهر فبراير فى ذلك العام بدأت تستشعر الخطر، ووضعت القيود، إلا أنه لا وجود للكمامة فى الشارع، كما أن الزحام أمام دور العرض وفى الطرق المؤدية للسجادة الحمراء وقتها لم يتوقف، أيام قلائل على انتهاء تلك الدورة، وأصبح العالم رهن إجراءات استثنائية، واختلفت الدرجة بين دولة وأخرى، وكانت ألمانيا من أكثر دول العالم احترازا، وأكثرها أيضا نجاحا فى مواجهة الجائحة وأثبتت أن نظامها الطبى راسخ ويستطيع مواجهة الكوارث الطبيعية المفاجئة، بينما كشفت الجائحة عن ضعف أنظمة طبية فى دول أخرى أوروبية، القاعدة المطبقة أن الرعاية الصحية للجميع، ولهذا تكثر أماكن الكشف الفيروس فى الشوارع لكل من يعيش على الأرض زائرا أو مقيما وبالمجان، هذا هو الطريق الوحيد للمواجهة، أن تحمى نفسك بحماية الآخرين أيضا. زيادة معدلات الاحتراز باتت أقرب (للنفخ فى الزبادى) من فرط الصرامة التى يتم تطبيقها، ولايزال الأمر قائما فى كل تفاصيل مع هذه الدورة من عمر المهرجان، مثلا فى المركز الصحفى، بات العدد مقننا، ولا يسمح بزيادته، تم إلغاء المقاعد، حتى لا تشجع الزملاء على البقاء مدة أكبر داخل المكان المغلق، وألغيت ماكينات احتساء القهوة لنفس السبب، تابعت من بعيد السجادة الحمراء ووجدت عددا ضئيلا جدا من الجمهور سمحت له سلطات الأمن بالتواجد على الجانبين فى الشارع المؤدى لقصر المهرجان، وكأنها بروفة للسجادة، وكما هو واضح فإن الصوت الذى كان يرفض أساسا إقامة المهرجان لم يتراجع بسهولة، إلا بعد وضع كل شروطه التى تبدو فى الكثير منها تعجيزية، ورغم ذلك وافقت إدارة المهرجان على التحدى وخوض التجربة. إلا أن كل ذلك قطعا ليس مبررا لكى تتضاءل عدد الأفلام الجيدة فى الفعاليات خاصة فى المسابقة الرسمية، صناعة السينما فى العالم كله تأثرت سلبا وتراجعت، كما أن ضخ الأموال لتقديم أفلام ضخمة لم يعد يستهوى شركات الإنتاج الكبرى بسبب تراجع إقبال الجماهير، وأثر هذا الأمر سلبا على كل من هو متاح من أفلام عالمية أمام إدارة المهرجان، ومن الممكن أن تتجسد أمامك تلك المعاناة، ومن بينها هذا الفيلم الألمانى الفرنسى المشترك (أبجدية الحب السريعة). الذى يشعرك بأنك شاهدته من قبل، ما الذى يحدث عندما تكتشف وأنت تتعاطى مع الفيلم أن خيالك يسبق الكاتب والمخرج، هذا ليس دليلا للمتفرج على التفرد والألمعية بالضرورة، كما يعتقد كُثر، الوجه الآخر للصورة هو فقر خيال شديد يصل إلى حد القحط لدى صانع العمل الفنى، تكتشف أن الشريط المعروض أمامك يكرر المقرر الذى قدمته السينما العالمية، مثلما حدث مع (أبجدية الحب) وكأنه أبجدية محفوظة، الفيلم إخراج نيكوليت كريبيتز بطولة صوفيا روز، مستوى أفلام هذه الدورة داخل المسابقة الرسمية مهما كانت الأسباب، والتى فى جزء منها خارج عن مسؤولية إدارة المهرجان، حيث إنه يعبر عن تراجع سينمائى عالمى امتد نحو عامين رغم أن الخيال يسبق الإمكانيات، المفروض أنه قادر أيضا على الوصول إلى مناطق أبعد، فى الرؤية، أكرر المفروض، لأن الشاشة لم تنجح فى تقديم أى شىء. الفكرة جريئة بينما المعالجة سطحية وبليدة لا تعثر فيها على لمحة مختلفة، ولا تسعى للبحث فى التفاصيل النفسية لتلك المرأة التى تقف على مشارف الستين وتقع فى حب مراهق من عمر أحفادها فى الثامنة عشرة من عمره، تعمل أستاذة لمادة الإلقاء الدرامى، ومن هنا جاء عنوان الفيلم (الأبجدية)، تبدأ الأحداث بلمحة سريعة، شاب يخطف حقيبة تلك المرأة ويهرب وتتم مطاردته حتى يعيدها. ويتركونه يمضى فى أمان، وهذا لا يحدث فى الشارع الأوروبى فلا مجال فى مثل هذه الأمور مثلما يحدث عندنا لترديد مقولة (المسامح كريم)، حيث إن استدعاء الشرطة يحدث تلقائيا، المراهق لديه رغبة فى تعلم التمثيل ولهذا يبدأ فى التواصل مع الأستاذة، وهى قطعا لا تدرك أنه اللص. نكتشف أنها أيضا مريضة بداء السرقة، وذلك عندما تتسوق فى السوبر ماركت تدس أشياء فى حقيبتها الخاصة، الفارق أنها تمارس السطو كمرض بينما هو بالنسبة له احتياج من أجل مواجهة الحياة. تتطور العلاقة سريعا ويقرران السفر إلى فرنسا لقضاء أيام هناك، ويمارس الشاب كعادته فعل السرقة ويهدى المرأة أحد العقود الثمينة التى سطا عليها مؤخرا، وعندما ترتديه يصبح هو الدليل الذى تمسك به الشرطة من أجل القبض على الجانى، وتؤكد فى التحقيقات أنها لا تدرى من هو السارق وبعد أيام يعرض عليها أسماء المشتبه فيهم، وهو بينهم، ولا تبوح باسمه. وتعود إلى ألمانيا، وعندما تفتح باب شقتها تجد العاشق المراهق فى انتظارها، نهاية متوقعة لفيلم لم يملك سوى شىء من خيال كسيح، لا توجد لمحة فى السرد، تحاول الخروج عما هو مألوف بل ومحفوظ!!. [email protected] المقال: نقلًا عن (المصري اليوم).
مشاركة :