الوضع المزري في لبنان على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي أدى الى تدهور خطير ومحزن للقطاع الطبي الذي كان من بين الأفضل في العالم العربي. وقدم البروفسور بشارة أسمر جراح القلب المعروف ( تلميذ البروفسور الفرنسي المشهور لجراحة القلب كاربانتيي ) في مؤتمر صحافي في باريس صورة قاتمة عن تدهور القطاع الصحي في لبنان. وهو مؤسس وعمل رئيس لقسم أمراض القلب في المستشفى الفرنسي في بيروت Hôtel Dieu اوتيل ديو لمدة عشرين سنة. كرس أسمر الآن فترة تقاعده إلى عمل مجاني في منظمة فرسان مالطة الخيرية. وكان حديثه في إطار مؤتمر صحافي عقدته المنظمة الخيرية في مجلس الشيوخ في باريس . تناول القطاع الصحي الخطير في لبنان وأعطى صورة عن تدهور الحال فيه قائلا: إن قبل ٢٠١٩ كان هناك ٢٢ مركزا لجراحة القلب في لبنان بينما كان في فرنسا ٦٨ مركزا. أما عدد تجهيزات المستشفيات لجراحة القلب من أجهزة الفحص الضوئي scanner والفحص بالأشعة radiology كان يساوي في لبنان عدده في باريس ومنطقة الايل دو فرانس وكانت لوائح الانتظار لطالبي العلاج طويلة لان لبنان كان يقدم العلاج لجميع الآتين من دول المنطقة وغيرها . أما الآن بعد أزمة المصارف وانهيار العملة ثم بعد انفجار المرفأ لقد اضطرت المستشفيات أكثر من ٧٢٠ جريحا وذلك دون انقطاع وكانت غرف العمليات مليئة بالجرحى . ثم اجتاحت الكورونا البلد مثل كل الدول وأنهكت أجهزة ومخازن مستشفيات لبنان . ويقول أسمر إن ٤٠ في المئة من أفضل الأطباء والممرضات غادر لبنان للعمل في الخارج خلال بضعة أشهر. لم يعد هناك ضمان صحي والتأمين الخاص توقف عن ضمان المرضى بشكل عام بل فقط على أساس كل حالة على حدة. غياب الأدوية ظاهرة أيضا مقلقة. فقلة الأدوية الموجودة في السوق تباع بأسعار خيالية. وزاد النقص في التجهيزات والأدوية وحتى العلاج العادي اصبح مرتفع الكلفة للشعب . وأعطى أسمر على سبيل المثال كلفة فحص الضوئي scanner للمريض انها تساوي أربعة مرات الراتب الأدنى للموظف في لبنان. نتيجة ذلك كل المرضى الذين ليس لديهم إمكانيات مالية لا يذهبون الى الطبيب ويأتون إلى المستشفيات في حالة صحية مزرية. في السنة الماضية زار مسوؤلوا منظمة الصحة العالمية لبنان واعربوا عن قلقهم لما وصفوه " بسرعة خطيرة " لهجرة الفرق الطبية والممرضات من لبنان بشكل نهائي بسبب تدهور أوضاع البلد . والملفت أن عدد كبير من أطباء وجراحين واختصاصيين لبنانيين تسلموا أقساما طبية في أهم مستشفيات فرنسا . على سبيل المثال أن على رأس قسم جراحة القلب في مستشفى بومبيدو الباريسي العريق جراح لبناني شاب الدكتور بول اشوع الاختصاصي بالأبهر الصدري وهو خلف لأستاذه البروفسور الان كاربانتيي الذي عينه لكفاءته لهذا المنصب. كما أن على رأس قسم أمراض الجلد في أهم مستشفى في باريس لأمراض الجلد "كوشان" دكتور لبناني سليم عرقتنجي خريج جامعة القديس يوسف في لبنان للطب وكذلك الأمر بالنسبة لقسم النساء والحمل في مستشفى فوش الفرنسي على رأس القسم اختصاصي بالولادة وجراحة النساء البروفسور جمال أيوبي لبناني من طرابلس هو الذي أنجز مع فريقه في المستشفى ولادة بعد زرع رحم لسيدة . فالأطباء اللبنانيين في فرنسا كثر وهم في طليعة المراكز في المستشفيات الفرنسية. فلا شك أن الأوضاع المزرية في لبنان أثرت على القطاع الصحي بشكل كبير بعد أن كانت شهرته بعناية صحية متقدمة. فالآن أصبح البلد كله في العناية الفائقة والخطر يهيمن على جميع قطاعاته الحيوية والصحة الأساس. وفراغه من الأطباء والممرضات يزيد ألم الشعب اللبناني الذي ينظر إلى بلده ينزلق يوما بعد يوم في الفقر والبؤس دون أمل بالتعافي. باريس
مشاركة :