تنتشر المخاوف بسرعة في سوق العملات المشفرة، لتنتقل إلى السوق المالية العالمية ككل. انهيارات تنال من عملات كان يُعتقد أنها تتمتع بحد مقبول من «الأمان»، وتراجع مخيف لـ «بيتكوين»، أشهر وأقوى عملة في هذه السوق المتقلبة لدرجة الرعب. وإذا كان الحديث في السابق يدور حول الارتفاعات والانخفاضات الدورية الهائلة المفاجئة في الأصول الرقمية، صار الآن يتمحور حول إمكانية حدوث «فقاعة تشفير»، ستنال من السوق المالية، في وقت لا يتحمل فيه الاقتصاد العالمي، بوضعه الحالي، أي ضربة بصرف النظر عن حجمها. وربما يبالغ البعض في أن فقاعة كهذه ستماثل فقاعة الرهن العقاري في العام 2008 التي أتت بأزمة اقتصادية عالمية، لا تزال آثارها حاضرة على الساحة حتى اليوم. فتبعات الأزمات الكبرى لا تنتهي بزوالها فوراً. الخوف في سوق العملات المشفرة لم يتوقف منذ إطلاق أول عملة فيه. لماذا؟ لأنها لم تخضع في الواقع إلى المعايير واللوائح المالية المعروفة، بينما لا تزال البنوك المركزية حول العالم تفضل التريث والانتظار، ليس فقط لتنظيمها، بل أيضاً لطرح عملاتها الرقمية الخاصة بها. هذه العملات تحقق ثروات شخصية هائلة بالفعل في فترات قصيرة للغاية، لكنها تكرس حقيقة أن وصولها إلى مرحلة الانفجار، يعني ولادة أزمة لا تختص فقط بالخاسرين في هذا الميدان، بل ترتبط أيضاً بشريحة من «المتورطين» أقدمت على الاقتراض من أجل الاستثمار والربح السريع، والغالبية العظمى من هذه القروض تمنح بضمانات قيمة ما يملكه المقترض من العملات الرقمية، ناهيك عن أولئك الذين رهنوا ممتلكاتهم المختلفة لهذا الغرض. تقول رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد «تستند العملات المشفرة إلى لا شيء، ويجب تنظيمها»، لكنها لم تقم بأي خطوات عملية بهذا الخصوص، ولاسيما أنها تحرص على إبعاد الناس عن المضاربة من خلال مدخراتهم أو ممتلكاتهم. وهنا يبرز ما يمكن وصفة بـ «الرعب المالي». وللتدليل على ذلك، انخفض سعر «بيتكوين» 70 في المائة منذ وصولها إلى الذروة في نوفمبر الماضي، في حين تراجعت القيمة الإجمالية لرموز التشفير من أكثر من ثلاث تريليونات إلى أقل من 900 مليار دولار! وهذا لوحده لابد أن يكون بمثابة إنذار خطر، لأن مثل هذا التفاوت بالقيمة في فترة زمنية قصيرة يعجل من وصول الفقاعة إلى الميدان، الأمر الذي يبرر انتشار «ذعر التشفير» في ساحة لا يبدو أن جهة حكومية دولية فاعلة تريد أن تتبناها. هناك حالياً مؤشرات مرعبة حقاً في سوق العملات المشفرة، بما في ذلك المطالبات المتصاعدة من صناديق التحوط بإيداع مبالغ إضافية لتغطية الخسائر الأخيرة، وتلك المحتملة في المستقبل القريب. أي أن عوامل «إنتاج» أزمة كبرى تتجمع هنا وهناك، معززة بفقدان هذه السوق لأي آليات ذات قيمة تساعدها على التصحيح الذاتي. المسألة ليست معقدة، لأن أي سوق منفلتة يمكن أن «تكون» مصنعاً للأزمات بصرف النظر عن مستوياتها ومخاطرها وضرباتها وآثارها.
مشاركة :