إذا كانت غالبية القطاعات حول العالم تعرضت لأضرار بالغة بسبب تداعيات تفشي وباء «كورونا» المستجد، فإن قطاع التجارة الإلكترونية يتصدر قائمة الأكثر استفادة من هذه «الجائحة»، لسبب يعرفه الجميع، وهو أن القيود التي فرضتها الحكومات، دفعت بالمستهلكين للجوء إلى هذه السوق التي تحقق قفزات نوعية يوماً بعد يوم، حتى قبل «كورونا». ورغم أن هذه التجارة بدأت قبل أربعين عاماً، وتوسعت منذ عقدين، إلا أنها في بعض الأسواق ظلت بصورة أو بأخرى خارج نطاق الضبط من قبل الجهات المختصة. فالاحتيال الإلكتروني متشعب وبات سهلاً، يدعمه تراجع مستوى ما يمكن تسميته بـ «ثقافة التسوق الإلكتروني» في بعض المجتمعات. لكن التوعية تمضي قدماً في البلدان التي باتت «الإنترنت» تمثل جزءاً أصيلاً من حراكها، ما دفع الأمم المتحدة للسعي الدائم لتوفيرها على مستوى العالم أجمع. وبعيداً عن الجوانب التي تتعلق بتعميق «ثقافة» التسوق الإلكتروني، وهي مسألة محورية تتطلب تطويراً مستمراً، حققت التجارة الإلكترونية في عام 2020 أو «سنة الجائحة» ارتفاعاً بلغ 19%، ووصلت مبيعاتها إلى 30 تريليون دولار تقريباً، بينما ارتفعت التجارة بين الشركات والمستهلكين 20.5%، في حين سجلت القيمة الإجمالية للتداول التجاري لأكبر 13 شركة مختصة بالتجارة الإلكترونية 2.9 تريليون في العام المشار إليه. بالطبع تأتي الولايات المتحدة بالصدارة وبعدها اليابان فالصين، وهي الدول التي تحتل (كما هو معروف) المراتب الأولى في قائمة أكبر الاقتصادات. ويعتقد مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد»، أن هذه التجارة ماضية إلى الأمام بقفزاتها لـ«تأكل» مزيداً من حصة التجارة التقليدية، خصوصاً تلك التي تجمع الشركات بالمستهلك. وفي ظل هذا النمو الكبير، تتجدد المخاوف من الجانب الأمني عبر منصات هذا القطاع العالمي الحيوي. في السنوات الماضية، ظهرت فضائح عديدة عبر قيام شركات ببيع بيانات «زبائنها الإلكترونيين» لشركات أخرى غير منافسة بالطبع، الأمر الذي يتعارض بالطبع مع قواعد الخصوصية التي تفرضها الأنظمة والقانونية في كل دولة. ولذلك، هناك مخاطر من تعرض الشركات المنضوية تحت لواء هذا القطاع إلى مزيدٍ من الملاحقة والعقوبات والغرامات وحتى الإغلاق، ما يحتم عليها أن تتعاون مع السلطات المختصة لحماية مكتسباتها، وهي في النهاية مكتسبات ليست كبيرة فحسب، بل متعاظمة أيضاً، يضاف إلى ذلك ضرورة أن تلتزم بمزيد من قواعد حماية المستهلك، بما في ذلك عدم الانجرار وراء شبكات تطرح منتجات مقلدة أو غير خاضعة لمعايير الصحة والأمان، وغير ذلك مما يرتبط في هذا الميدان. وبعد أكثر من 40 عاماً على بدء أول عملية تسوق منتجات إلكترونية، واتساع الرقعة الإجمالية للسوق، لا تزال أمام الجهات التشريعية حول العالم مهام لا تتعلق فقط بحماية المستهلك، بل في تنظيم هذه السوق بصورة محكمة أيضاً. فلا تزال هناك شركات خارجة عن السيطرة، تعمل في مناطق يصعب الوصول إليها. إنها عملية صعبة، لكنها أساسية لحماية قطاع سيكون الحاضر الأول في السوق مستقبلاً.
مشاركة :