وطننا يقود بكل مؤسساته حَرباً على الفساد بشتى نماذجه، ومن أجل ذلك كان إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نَزاهَة)، التي منحت صلاحيات واسعة؛ فحقها أن تُسَائلَ كائناً مَن كان. ولكن ما يَرفع الضغط، ويأتي بالسّكّر وغيرهما من أمراض العصر، أن تكون هناك صُورٌ للفساد ظاهرة، بل تتحدى الجميع دون حِرَاك أو خطوات جادّة مِن المؤسسات المعنية! فقبل أيام كنتُ في سَفَرٍ بَرّي من (المدينة المنورة إلى حَائِل) ورأيتُ على هامِش الطريق في بعض الهجَر والمراكز (عَشَرات الغُرَف الصغيرة المتجاورة) التي لا تتعدى مساحة الواحدة منها (2م×2م)، وكل منها يَعْلُوهُ لوحة تنادي بأن هُنَا شركة للمقاولات العامة!! ما عرفته بعد الاستفسار أن تلك (الغُرَف) تؤجر لعدة أيام لـ(المتاجرين بالتّأشِيْرَات)، فما أن يخرج المندوب المختص، وتصدر الرخصة، وبعدها الفِيَز، تموتُ تلك الشركة، وفِي قَبْرِها أو مكانها يأتي غيرها، وهكذا تستمر الحياة!! وهنا من المُؤكَّد بأن مندوبِي الجهة الخَدمِيّة المختصة يعلمون جيداً بأن تلك الغُرَف ما هي إلا شركات وهمية لمن يتكسّبون باستيراد المزيد من العمالة للوطن؛ فلماذا يمنحونها الوثائق اللازمة؟! مثال آخر ففي إطار الجهود المبذولة للقضاء على البطالة بتوطين الوظائف، كان قرار وزارة العمل مشكورة بإلزام المؤسسات بِنِسَب معينة من السّعْوَدَة، ولكن الغريب العجيب وفي تلاعب واضح فإن طائفة من أصحاب محلات الحِدادة والألمنيوم (مثلاً) جعلوا ضمن عمالتهم نساءً سعوديات، وبعضَ ذوي الاحتياجات الخاصة (ذوي الإعاقة)؛ لأن عمل الواحد منهم يساوِي في برنامج نطاقَات أربعة مِن غيرهم، حتى أصبح سؤالهم: (هل عندك مُعَاق؟!!) فإذا كان هذا الفساد البَيّن الواضح يمارسُ علانية وجَهَاراً نَهَارَاً، فكيف نأمل في القضاء على الفَسَاد الخَفِي يا عزيزتنا (نَزَاهَة)؟. aaljamili@yahoo.com
مشاركة :