أزالت «أمانة جدة» تعدياً لرجل أعمال سعودي على طريق الخدمة لأحد أهم طرق عروس البحر الأحمر وبوابة مكة المكرمة البحرية ومينائنا الأعرق، حيث استخدمه رصيفاً خاصاً ومدخلاً لقصره. القصة ليست أن «الأمانة» فطنت -كما تقول- إلى أنه مرفق عام وليس ملكية خاصة، بل الواقع أن القصة بدأت عندما سجل صاحب القصر مقطعاً يطالب فيه المواطنين السعوديين بالكف عن «الدلع» بعد قرار الحكومة رفع الدعم جزئياً عن وقود السيارات والكهرباء في أعقاب إعلان موازنة تأثرت بانخفاض أسعار النفط، فانهال الناس عليه بالعتب والسخرية، ثم تداولوا اعتداءه على الشارع بالصور الموثقة، فتحركت الأمانة التي تلقت تعليمات «حازمة» بمساواة المواطنين بعضهم ببعض. أعتقد أن الخطوة الثانية هي ضرورة فتح تحقيق رسمي في غض «الأمانة» أو مفتشيها الطرفَ عن هذه المخالفة التي لا تخطئها العين. تناقشنا أنا وصديق لي حول القصة، ودار نقاش حول أن رجل الأعمال ليس الوحيد ولا بد من أنه اقتفى أثر أحد قبله في احتلال الشارع، فأفدته بأنني أسكن الرياض منذ نحو ثلاثة عقود، وفيها الغالبية العظمى من الأمراء، وتقريباً كل الوزراء، ونصف رجال الأعمال، والوجهاء بمختلف أنواعهم، ولا أذكر أن أحداً تجرأ على إقفال أو احتلال شارع أو جزء من شارع مهم مثل شارع «صاري» في جدة، لكن يبدو أن هذه الممارسة ليست الوحيدة في جدة، وبعض المدن السعودية. يلح السؤال: لو لم يثر رجل الأعمال حفيظة الرأي العام هل كان سيبقى جزء من طريق عام معتدى عليه؟ لا نعرف الإجابة الآن، لكننا نعرف أننا بتنا اليوم نحن المواطنين -وكما حرص وأصر مليكنا وقائدنا- مرآة نساعد الحكومة بالنقد الهادف والمشاركة الإيجابية على ملاحقة أي خلل أو فساد أو أثرة لفئة معينة لمكانتها الاجتماعية أو الاقتصادية. إذا سميت الأشياء بمسمياتها فإن صاحب القصر يحلل لنفسه مالاً عاماً، ويحتل ملكية عامة مشاعة لخدمة الناس تمثلت في الطريق الذي أغلقه، وصاحب السلطة على المرفق العام المتمثل في الشارع هو «الأمانة»، ولا بد من أن فيها من أمر بعدم الإزالة طوال هذه السنين، ومن الحق العام للناس أن يعرفوا كيف تم ذلك، وأن تعلن العقوبات. القصة إيجابية وعكست حراكاً شعبياً مهماً وتناغماً بين الحكومة والناس، وربما هي فاتحة لإزالة أي اعتداءات من ذوي النفوذ على شوارع أو حدائق... أو...، فهناك 500 حديقة مسلوبة في مدينة جدة وحدها. كانت عبارة «كفاية دلع» فاتحة خير على الناس، فهي سلطت الأضواء على «المدلعين» الحقيقيين، وفتحت لسكان جدة وزوارها جزءاً من طريق عام. أعتقد أن تداعياتها الإيجابية ستتوالى وهو ما يجعل الناس يحمدون لمواطنهم رجل الأعمال هذا التصرف، لأنهم جَنَوْا وسيجنون منه مصالح عامة كثيرة، فيما خسر هو مدخلاً أنيقاً وفاخراً لقصره. تقول العرب: «رب كلمة قالت لصاحبها دعني» وعدَّل السعوديون «دعني» إلى «دلعني».
مشاركة :