د. إيمان بقاعي |حانَ وقتُ الحكايةِ (ثلاثون حوارية منقَّحة ومزيدة أبطالُها: حفيدٌ وجدّتُه وجدُّه) [إهداء: إلى كل من لم يتسنَّ له سماعها مُمَثَّلةً عبر أثير إذاعة القرآن الكريم- دار الفتوى في بيروت – 2019] حانَ وقتُ الحكايةِ | الحكايةُ الأولى | نادر والذّئبُ والعَقْعَقُ (أ) سامي(ينادي من الدَّرجِ جدَّه وجدته لاهثًا وقد عاد لتوه من المدرسة): تيتا مُهيبة! تيتا مُووووووهيبة! تيتا مُوووووهيبة! جدو عزييييييز! افتحا البابَ، سأضعُ محفظة كتبي وأنزل فورًا؛ فالأمر مهمٌّ ولا يحتملُ التّأجيل! الجدّة(بلهفة):(صوت قدوم جدته من الطَّابق الأرضي): أمرٌ مهمٌّ ولا يحتملُ التّأجيلَ يا سامي يا روحَ جدَّتِكَ؟ سامي (يدخل إلى بيت جديه وينادي جدَّه من المطبخِ): تعالَ بسرعةٍ يا جدو عزيز لتسمعَ خبرَ نادر، زميلي في الصّفِّ، والذي أخبرَني بأنه يريدُ ترْكَ المدرسةِ؛ لأنّ زملاءَنا لا يحبُّونَ “مُزاحَهُ”، بل يدَّعونَ أنَّه “مُزاحٌ ثقيلٌ ومؤذٍ”، بينما يراهُ هو… احزرْ يا جدي! (الجد يدخل إلى غرفة الجلوس، والجدة تحزر قبل زوجها): هو طبعًا يرى مُزاحَهُ لطيفًا، ظريفًا، ذكيًّا، مُرفِّهًا، مُسَلّيًا، ومُمتعًا. الجد(بدهشة يخاطب زوجته): ما شاء الله عليكِ يا مُهيبة خانم، لم تتركي مُرادفًا إلا واستعملتِهِ. الجدة (ضاحكة): لأنني أفهم نفسيةَ مَن يعتقدون أنفسَهم مَرحى ومَراحى من الكبارِ والصِّغارِ. اسمعا، مرةً كان عندي جارة… الجد (يخاطب زوجته): دعينا نسمعْ قصةَ نادر أولًا، ثم تأتي قصصُكِ وقصصي، ونسمعُ رأيَكِ ورأيي ورأي سامي. الجدة (تعترف): معكَ حقٌّ هذه المرة، لقد أقنعتني! الجدّ (مخاطبًا حفيده متابعًا الموضوع باهتمام): طيِّبْ، إذا اجتمعَ الكلُّ- يا سمْسومَةَ قلبِ جدَّتِكَ- على أنَّ مُزاحَ نادر “ثقيلٌ ومؤذٍ”، فإلامَ يؤدي رأيُهُ المعاكِسُ؟ سامي (متنهدًا): يؤدي إلى إطالةِ زمنِ المشكلةِ، وقد رافَقَتْنا جميعًا منذ الصّف الأولِ الابتدائي إلى الخامسِ. الجدّة )الجدّة تتدخل وهي تحاول دائمًا فهم حفيدها بطريقة أقرب من الجدّ): طيبْ يا سمسومَةَ قلبِ جدَّتِكَ مووووهيبة، أريدُ أن أعرفَ رأيكَ أنتَ، هل تَرى ما يراهُ نادرٌ أوْ ما يراهُ الجميعُ؟ الجدّ (ينعّم صوتَهُ مثل صوتِ زوجته ممازحًا): ما رأيكَ يا سمسومَةَ قلبِ جدَّتِكَ؟ لأنَّ صحةَ الحكمِ على موقفِ نادر تتوقفُ على رأيِكَ أنتَ… الجدّة (غاضبة من موقف زوجها): لماذا تستنكرُ سؤالي يا جدو عزيز بِكْ؟ هه؟ ألا يحقُّ لسامي أن يُسمِعَنا رأيَهُ؟ الجدّ (بغضب): مَن يسمعْ تعليقَكِ يا تيتا مُهيبة خانم يعتقدْ أنَّني ما دخلْتُ مدرسةً، ولا تعلمْتُ أصولَ التَّربيةِ، ولا علّمْتُ أجيالًا، ولا عرفْتُ أهميةَ الإصْغاءِ إلى رأي الأطفالِ في المشاكلِ التي تعترضُهم أو تعترضُ زملاءَهم! الجدّة: لا داعي لأن تذكِّرَني أنكَ اختصاصيٌّ في علومِ التّربيةِ في كلِّ مرةٍ نحلُّ- أنا وحفيدي- مشكلةً تعترضُنا. الجدّ (مستنكرًا): ماذا؟ “نحلُّ أنا وحفيدي مشكلةً تعترضُنا”؟ طيبْ يا مُهيبة خانم، حلَّا مشكلةَ نادر، وما عليَّ إلا أن أدعوَ لكما بالتّوفيقِ! سامي (يتمسك بوجود جده(: جدو عزيز، جدو عزيز، لو لم نُرِدْ أنا وجدتي أن نسمعَ رأيَكَ- كما في كلِّ مرةٍ- لما أجَّلْتُ طرحَ المسألةِ حتى وصلْتَ من المطبخِ إلى غرفةِ الجلوسِ. الجدّ (بحرد): قلْ هذا لجدتِكَ التي اعتبرَتِ المشكلَةَ مُشكلتَها، فأشعرَتْني أنني طارئٌ عليها وأنَّ… الجدّة (مقاطعة وبحردٍ أيضًا): لسْتَ طارئًا؛ بل أنتَ الكلُّ بالكلِّ؛ فحلَّا المشكلةَ في غيابي، ولا داعي لإخباري بما توصلْتُما إليهِ. أنا ذاهبةٌ! سامي: تيتا مُهيبة، أحتاجُ إليكما معًا، فابقَي معَنا وشاركِينا حوارَنا! الجدّة (حردانة): لن أشاركَ! سامي (يقبل جبين جدته): إليكِ قبلةُ رجاءٍ على جبينِكِ النّاصعِ. [صوت قبلة] الجدّ (متدخلًا): دعْها تذهبْ! الجدّة (يعلو صوتها مستنكرة): سأذهبُ! سامي (موقفًا الشِّجار): بل سأذهبُ أنا… هل أذهبُ؟ الجدّ والجدّة (معًا): لا! سامي: لنناقشِ المسألةَ إذنْ! الجدّ والجدّة (يصمتان، ثم يتراجعان( الجدّ: لنناقشِ المسألةَ! الجدّة: يا روحَ جدَّتِكَ… الجدّ: (مردِّدًا بصوت يشبه صوت زوجته، ثم مستدركًا بصوت رجولي) يا روحَ جدَّتِكَ، أقصد: يا روحَ جدِّكَ. (ب) الجدّ: قالَ الذِّئْبُ لِلْعَقْعَقِ. وهو، يا سامي، طائرٌ من فصيلةِ الغُرابيّاتِ ورتبة الجواثم، وهو صَخَّاب، وله ذَنَبٌ طويلٌ ومِنقارٌ طويل: وداعًا ياصديقِيَ العزيزُ، فقد نوَيْتُ هَجْرَ هذه الغابَةِ المَنْحُوسَةِ، بعد أن يئِسْتُ مِنْ نَيْلِ السَّلامِ والرَّاحةِ وإِدْراكِ الهناءِ والطُّمَأْنينَةِ فيها؛ فَكُلُّ المخلُوقاتِ هنا تكرَهُنِي، وتَنْظُرُ إليَّ كما لو كُنْتُ عَدُوَّهَا اللَّدُودَ. سامي (مستنتجًا): تفكيرُ الذّئبِ مثلُ تفكيرِ نادر… الجدّة (بقلق): أرجو أن يكونَ العَقْعَقُ حكيمًا، فالمسألةُ حلُّها ليسَ بسيطًا. الجدّ: (يكمل): إنّهُ حكيمٌ، وإلا ما سألَ الذِّئبَ عن تفاصيلَ، أولُها عن وِجهتِهِ، فأجابَ: إلى أَيّ مكانٍ بعيدٍ عن هذه الغابةِ البَغيضَةِ، شرطَ أن يكونَ سُكَّانُهُ أوْدَعَ من الْحُمْلانِ، وكِلابُه أَجْبَنَ مِن الْخِرْفانِ، وكلُّ أهْلِهِ متحابّون، فأتنشَّقُ هواءَ الحرّيةِ المنعشَ، وأعيشُ السّلامَ، فلا أُضْطَرُّ إلى الاختباءِ نهارًا، والسّهرِ ليْلًا … و… الجدّة (تتنهد): الذِّئبُ يدَّعي المسكنَةَ! سامي (بقهر): ونادرْ يا تيتا مُهيبة يدّعيها أيضًا، ونادرْ! الجدّة: وبمَ أجابَهُ العَقْعَقُ؟ الجدّ: أجابَهُ بسؤالٍ هو: قُلْ لي باللهِ عليكَ يا صديقيَ؛ أتَنْوِي الدّخولَ إلى البلادِ السّعيدةِ- التي تتحدثُ عنها- بما تحملُهُ من طباعٍ وحشيّةٍ وأنيابٍ حادَّةٍ؟ سامي: سؤالٌ وجيهٌ! الجدّة: وأجابَ بِلا؛ أليسَ كذلكَ؟ الجدّ: بل، قالَ بصوتٍ عالٍ مستنكِرًا سؤالَ العَقْعَقِ: نعم وألفُ نعم! إذْ كيفَ أَسْتَطيعُ أَنْ أَحْيا بِدُونِها؟ سامي(يشهق): وماذا قالَ العقْعَقُ؟ الجدّ: قالَ الْعَقْعَقُ: ثِقْ إذن أنَّكَ لنْ تَجِدَ سلامًا أَيْنما ذهبْتَ! سامي: يا لَلعَقْعَقِ الحكيمِ! الجدّة: ويا لَلذّئبِ الوقحِ! (ت) الجدّ (يستعد للمغادرة: صوت تحرُّك وإبعاد كراسٍ): ما رأيكَ أن نتمشى أيها العَقْعَقُ تحتَ أشعةِ الشَّمسِ، بعد أن حُلَّتْ مشكلتُكَ مع صديقِكَ الذِّئْبِ بحكايةٍ؟ سامي (ضاحكًا): العَقْعَقُ لا يُمانِعُ! الجدّة: اِبحث لي عن عُكَّازي يا روحَ جدَّتِكَ، فسأمشي معكما، لأدلَّكَ على جملةٍ هي خلاصةُ الحكايةِ تهمسُها غدًا في أذنِ صديقِكَ الذّئبِ، أقصدُ نادر، أَلا وهي: لن تحصُلَ على أصدقاءٍ حتى لو جبْتَ مدارسَ العالمِ، ما دامَ مُزاحُكَ يؤذي هذا ويسخرُ من ذاكَ! الجدّ (معلقًا بإعجاب): جملةٌ مفيدةٌ! الجدّة (بشكٍّ): أتقصدُ أنها ليسَتْ كذلك؟ حسنًا، لن أرافقَكُما! (تغلق الباب بحرد وتُسمع خطوات قدميها وتخاطب نفسها): لا تحاولا إقناعي، لا تحاولا! انتهت
مشاركة :