د. إيمان بقاعي (ثلاثون حوارية منقَّحة ومزيدة أبطالُها: حفيدٌ وجدّتُه وجدُّه) [إهداء: إلى كل من لم يتسنَّ له سماعها مُمَثَّلةً عبر أثير إذاعة القرآن الكريم- دار الفتوى في بيروت – 2019] (أ) سامي: تريدُ يا جدو عزيز شهرةً؟ الجدّ (مفكرًا): واللهِ يا حفيديَ، الشُّهرةُ جميلةٌ، وتجعلُ المرءَ معروفًا، كقَمَرٍ! سامي (يضحكُ): كقمرٍ؟ الجدّ: على فكرةٍ يا سمسومةَ قلبِ جدتِكِ مُهيبة، يسمي العربُ القمرَ شَهْرًا، لشُهرتِهِ وظُهورِهِ. سامي (يشهق): لم أربطْ يومًا بينَ القمرِ والشَّهْرِ والشُّهرةِ. الجدّ: ويقالُ أيضًا: إنه يُدعى بالشَّهرِ: إذا ظهَرَ وقاربَ الكمالَ. سامي: لذا قلتَ يا جدي: الشُّهرةُ جميلةٌ، وتجعلُ المرءَ معروفًا، كقَمَرٍ؟ الجدّة: جدُّكَ حفيدُ جدِّهِ. الجدّ (بفخر): جدّي قمرُ اللُّغةِ العربيةِ. [يخاطبُ زوجته حانقًا ورافضًا]: أتريدينَ أنْ أغطي على شهرةِ جدي اللّغويةِ بشهرتي الزّلّابيةِ، خاصةً أني وجدّيَ نحملُ الاسْمَ نفسَهُ؟ سامي: مشكلةٌ عويصةٌ. الجدّة (تحرد): ليسَتْ عويصَةً. لو كنتَ خبيرَ (زلابِيَةْ) حقيقيًّا، لكنتَ قمَرها، ولا فرقَ بينَ قمرٍ وقمرٍ ما دامَ كلُّ قمرٍ يحسِنُ أداءَ عملِهِ. لكنَّ شهرتَكَ المَرجوَّةَ ليستْ مبنيةً على عِلْمٍ حقيقيٍّ، فلمْ تدرسْها في الجامعةِ سنواتٍ، ولم تنلْ فيها شهاداتٍ عليا، بل اعتمدتَ على حاسةِ الذّوقِ وكتابٍ قديمٍ… الجدّ (يصحح معلوماتِها): عريقٍ… الجدّة: عريقٍ… سامي (يضحك): الكتابُ العريقُ قمرُ الكتبِ… الجدّ: أعترفُ أمامَ حفيدي وارثِ مورثاتِ الذّكاءِ عن جدتِهِ… الجدّة (تقاطعه وتدلل حفيدها): آهِ يا قمَرَ الورَثةِ… سامي (بخجل): آهِ يا قمرَ الجدّاتِ. الجدّ: أعترفُ أنني أعتمدُ- في صنعِ الزَّلابِية- على حاسةِ الذَّوقِ المبنية على “الحُبِّ”، مثلي مثل (رِضا)- بطلِ حكايتي الذي غامرَ بسببِ حبِّهِ لطعامٍ معينٍ- فلمْ أُضطَرَّ إلى طبخِ حجرٍ، ولا إلى النّزولِ إلى الشَّارعِ لبيعِ “منتجاتٍ” صنَعَها غيري. سامي (بفرح): حكايةٌ يا تيتا مُهيبة! الجدّة (بفرح): حكايةٌ يا حفيدي! سامي (يهمسُ في أذن جدته): على فكرةٍ يا تيتا مُهيبة، أتوقعُ لجدي مستقبلًا زاهرًا إذا ظلَّ يحكي حكاياتِهِ بهذه الجودةِ، فيصبحُ يومًا: قمرَ الحكاياتِ… الجدّة (تهمس له بخبث): لا تقلْ له هذا الكلامَ، لئلا يُصابَ بالغرورِ ويعتقدَ أنه وصلَ إلى أعلى درجاتِ سلَّمِ الشهرةِ، بل دعْهُ يكملْ طريقَهُ بسلامٍ. الجدّ: بمَ تتهامسانِ؟ الجدّة وسامي (يخفيانِ حديثهما): أَسمِعنا عن رضا. (ب) الجدّ: انتظرَ رضا خروجَ أُمِّه من البيتِ كيْ يحظى بالجَوْزِ الذي يحبهُ! سامي: أنا أحبُّ الجوْزَ أيضًا، وأحبُّ أن أكسرَ خشبَهُ بالمطرقةِ بعد أن أضعَهُ على قطعةِ قماشٍ حتى لا يتطايرَ… أتذكرينَ يا تيتا مُهيبة؟ الجدّة (تضحك): أذكرُ يا سامي، عندما كسرتَ لي كلَّ الجوزِ قبلَ العيدِ فصنعْنا منه المعمولَ… سامي: كانَ معمولًا شهيًّا، أطيبَ من كلِّ معملِ السُّوقِ! الجدّة (تتنهد بفخر): كانَ قمرَ المعمولِ! الجدّ (متذمرًا): أتريدانِ أنْ أُكملَ يا قمَرَيِّ العائلةِ؟ الجدّة وسامي: طبعًا! الجدّ (يكمل): فصعدَ سلَّمَ “سقيفةِ” المطبخِ على مهلٍ، وبدا في غايةِ السَّعادةِ وهو يضعُ “مرطبانَ الجوزِ” بين ساقَيْهِ ويجلسُ مُستعدًّا لأخذِ أكبرِ عددٍ من كُراتِ الجَّوز والنّزولِ إلى المطبخِ لكسرِها وأكلِها وتنظيفِ آثارِها قبل عودةِ أُمِّه. لكنْ… سامي (بترقب): لكنْ… الجدّ: تجري الرِّياح بما لا تشتهي السُّفُن. سامي: وما علاقةُ السّفنِ بالجوزِ يا جدي؟ الجدّة (ضاحكةً): هذا مثَلٌ يقالُ لمَنْ يواجهُ مشكلةً غيرَ متوقَّعَةٍ، ويعني أنه يمكنُ لكثير من الأمور أن تفشَل رُغمَ التَّخطيطِ المُتقَنِ. سامي: فهمْتُ! الجدّ (يتابع): ومدَّ رضا يدَه إلى داخلِ المرطبانِ، وملأَها جوْزًا. ولما أرادَ إخراجَ يدِه المليئةِ، اصطدمَت بفتحةِ “المرطبانِ” الضَّيقةِ، فخافَ وصرخَ بألمٍ: أنقذوني! أنقذوني! سامي: مَن ينقذهُ؟ الجدّ: لِحُسْن حظِّه، فإنَّ رحلة أمِّه كانَت قد انتهَت بعد خمسِ دقائقَ من صراخِهِ، فسارعَتْ بهلعٍ نحو مصدرِ الصَّوت، وصعدَت لتراهُ في حالةٍ يُرثى لها. الجدّة: وأكيدْ.. اتّصلَتْ بوالدِهِ في الشُّغلِ، فجاءَ بسرعةٍ. الجدّ: وصعدَ الدَّرَجَ وهو يطلبُ النَّجدةَ من جيرانِهِ، فلحقوا به: بعضُهم يضربُ على رأسِه وبعضُهم يشدّ شعرَه وهم ينظرونَ إلى يدِ الصبيِّ العالقةِ في المرطبانِ، وعلَتِ الأصواتُ، فقالَتْ عجوزٌ: المشكلةُ عَويصةٌ، وأخشى أن يُضْطَرَّ طبيبُ الحيِّ إلى قطعِ يدِه. وشهقَتْ جاراتٌ، فسألنَ: وكيف سيأكلُ ويشربُ؟ وكيف سيعيشُ بلا يدٍ؟ وكيف سيعملُ في المستقبلِ؟ بينما اقترحَ أحدُ أبناءِ الجيرانِ كسرَ المرطبانِ، فرفضَ الأبُ البخيلُ. سامي (مستنكرًا): رفضَ؟ الجدّة: معقول؟ الجدّ: المهمُّ أنَّ جارًا عجوزًا صعدَ بضعَ درجاتٍ من السّلَمِ، وقال لرضا بهدوء: _ اسمعْ يا ابني يا رضا… دعْ جوزةً مِن يدِك! فترك رضا جوزةً مِن يدِه، فطلبَ منْه العجوزُ أن يدعَ واحدةً ثانيةً، ثم ثالثةً، إلى أن فرغَت يدُه تمامًا مِن الجوزِ. وسرعان ما أخرج رضا يدَهُ وهو يهتف بفرح: _ هيه! هيه! يدي حرَّةٌ! يدي سليمةٌ! سامي: لم يخطر هذا الحلُّ ببالي! الجدّة: ولا خطرَ لي! (ت) الجدّ: أحيانًا تقودُكَ شراهتُكَ إلى ما لا يُحمَدُ عقباه! سامي: صحيح جدًّا، ولكن: ماذا تعني عبارة: ما لا يُحمَدُ عقباه؟ الجدّة: يا سمسومةَ قلبِ جدتِكَ، لا توافقْ على ما يقالُ قبلَ أن تفهمَ معناه!
مشاركة :