د. إيمان بقاعي (ثلاثون حوارية منقَّحة ومزيدة أبطالُها: حفيدٌ وجدّتُه وجدُّه) [إهداء: إلى كل من لم يتسنَّ له سماعها مُمَثَّلةً عبر أثير إذاعة القرآن الكريم- دار الفتوى في بيروت – 2019] (أ) الجدّة: أحيانًا- يا سامي- يقودُكَ طمَعُكَ إلى ما لا يُحمَدُ عقباهُ. سامي: على مهلِكِ يا جدتي. أولًا: أريد أن تقولي لي بالضَّبطِ معنى: الطّمَعِ، ثمَّ تخبريني معنى عبارةِ (ما لا يُحمَدُ عُقباهُ) التي قالَها جدي ولم يشرحْها، ووافقْتُ عليها ولم أفهمْها. الجدّة: حسَنًا: الطَّمعُ- يا سمسومةَ قلبِ جدتِكَ- هو الرّغبةُ الشّديدةُ للحصولِ على الشَّيءِ، فيقالُ: طَمِعَ في رِبْحٍ أكثرَ، وطمِعَ في كعكَةٍ، وطمِعَ في مالٍ… وصاحبُ هذه الرّغبةِ اسمُهُ:… سامي: الطَّمّاعُ. الجدّة: يا شعلةَ الذّكاءِ أنتَ يا سامي، يا مَنْ ورثْتَ مُوَرِّثاتِ جدَّتِكِ المتعلقةَ بالفهمِ كلَّها. سامي: بكلِّ فخرٍ يا جدتي. الجدّ: أما قولُ جدتِكَ- التي ورثْتَ عنْها مُوَرِّثاتِ الفهمِ- والذي استعارتْهُ مني وصاغَتْ على منوالِه: “يقودُكَ طمَعُكَ إلى ما لايُحمَدُ عقباهُ”، فيعني: يقودُكَ طمَعُكَ إلى نتائجَ سيئةٍ غيرِ متوَقَّعَة. سامي (مستنكرًا): ولكنني لستُ طماعًا! الجدّة: لكنَّ الفلاحَ الفقيرَ بطلَ حكايتي التي سأقصُّها عليكما الآنَ كانَ طمَّاعًا. الجدّ: أخبرينا إذن! (ب) الجدّة: بينما كانَ الفلاحُ الفقيرُ يعملُ ذاتَ يومٍ في حقلِهِ، سمعَ صياحَ طفلٍ ممتزجًا مع صياحِ رجالٍ ونساءٍ من صوبِ النّهرِ، فتركَ ما بيدِهِ، وهرعَ نحو الصَّوتِ، فإذا بابنِ الأميرِ الصَّغيرِ يوشِكُ على الغَرَقِ في النَّهرِ، بينما وقفتِ الأميرةُ والأميرُ وعشرونَ من رجالِ الحرسِ يصرخونَ عاجزينَ عن إنقاذِهِ؛ لأنهمْ لا يتقنونَ السّباحةَ! سامي (معترضًا): أيعقَلُ ألا يجيدَ رجالُ الحرَسِ السّباحةَ؟ الجدّ: في الحكاياتِ يا سامي، كلُّ شيءٍ معقولٌ. سامي (يضحكُ): نعم يا جدي! في الحكاياتِ، لا يجيدُ رجالُ الحرَسِ السّباحةَ، بينما يكونُ الفلاّحُ سبّاحًا ماهرًا. الجدّة: أحسنتَ! لقد كانَ الفلّاحُ وحدَهُ السّباحَ الماهرَ. الجدّ: وأنقذَهُ طبعًا. الجدّة: أنقذَهُ! سامي: وفرحَ الأميرُ والأميرةُ، وفرحَ العشرونَ حارسًا وشكروا اللهَ وشكروا الفلّاحَ. الجدّ: ولا شكَّ أنَّ الأميرَ والأميرةَ أرادا أن يكافئا الفلاحَ. الجدّة: ومكافأةُ الأميرِ أميرةُ المكافآتِ كما فكَّرَ الفلاحُ بينَهُ وبينَ نفسِهِ، طامعًا بمكافأةٍ لم يكنْ لِيحلمَ بها يومًا. سامي: قدما له صندوقًا من المجوهراتِ؟ الجدّة: بل مبلغًا كبيرًا كبيرًا كبيرًا من المالِ يكفيهِ لأنْ يعيشَ طيلةَ حياتِهِ من دونِ أن يقومَ بأيِّ عملٍ. الجدّ: لا شكَّ أنَّ الأميرَ قدمَ له هذا المبلغَ لأنه اعتبرَهُ قد قامَ بأعظمِ عملٍ في حياتِهِ؛ لذا فهو يستحقُ الرَّاحةَ. سامي: والدّلالَ… الجدّة: نعم! الجدّ: وعاشَ الفلاحُ في ترَفٍ. الجدّة: وبكلِّ أسفٍ، في خمولٍ وكسلٍ، في بيتٍ كبيرٍ بناهُ في القريةِ وأثَّثَهُ بأفخمِ الأثاثِ، وراحَ يمضي أوقاتِ فراغِهِ الطَّويلةَ في:… الجدّ: في الصَّيدِ؟ الجدّة: نعم! سامي: وفي شراءِ أغلى الثِّيابِ وأشهى الطَّعامِ؟ الجدّة: نعم! الجدّ: وفي السَّفَرِ؟ الجدّة: وفي السّفَرِ طبعًا….إلى أنْ…ويا لَلْدهشةِ:… الجدّ (يحاول اكتشاف ما حدث): نفدَ المالُ! سامي (يشهقُ مستنكرًا): نفدَ المالُ؟ كيفَ والمالُ كثيرٌ؟ الجدّة: طبعًا، فالمالُ الذي تنفقُ منه بلا حسابٍ ولا تكسبُ غيرَهُ ينفَدُ. الجدّ: كانَ على الفلّاحِ أنْ يبنيَ مصنعًا ربما، أو يتاجرَ، أو يشتريَ المزيدَ من الأراضي ليزرعَها… سامي: لكنه لم يفعلْ، بل أكلَ وشربَ ونامَ وسافرَ واشترى بيتًا. الجدّة: وبعدَ سنةٍ ونصفِ السّنةِ، صارَ بلا أيةِ نقودٍ، بل إنَّهُ اضطّرَ إلى بيعِ بيتِهِ الكبيرِ الجميلِ بما فيه من أثاثٍ كي يشتريَ بثمنِهِ طعامًا لعائلتِهِ. سامي: يا إلهي! الجدّة: وبدلَ أن يعودَ إلى عملِهِ القديمِ… سامي: كمزارعٍ… الجدّة: صارَ يقضي وقتَهَ مستندًا إلى جذعِ شجرةٍ قربَ النّهرِ، يرهفُ السَّمعَ إلى ناحيةِ النّهرِ حتى إنّهُ ما كانَ يسمحُ لعينيهِ أن تناما لحظةً. الجدّ (ضاحكًا): لا تقولي لي إنَّهُ…كانَ ينتظرُ صياحًا من صوبِ النَّهرِ ليهرعَ وينقذَ الأميرَ الصَّغيرَ ليحصلَ على مالٍ وفيرٍ غيرِ الذي أنفقَهُ. الجدّة: بل هذا ما حدثَ! ولكنْ… وبما أن انتظارَهُ طالَ وطالَ وطالَ، كانَ عليهِ أن يعودَ إلى حراثةِ أرضِهِ مِن دونِ أن يستبعدَ الإصغاءَ إلى ناحيةِ النَّهرِ، لعلَّ وعسى… سامي (يضحك): لعلَّ وعسى. الجدّ: مسكينٌ هذا الفلّاحُ، صارَ مصيرُهُ متعلقًا بمصيرِ غرَقِ الأميرِ الصّغيرِ. الجدّة: ثم سمعَ ذاتَ صباحٍ أصواتًا من صوبِ النَّهرِ. الجدّ: فتركَ محراثَهُ وركضَ كالسَّهمِ وهو يمنّي نفسَهُ بمكافأةٍ لا تقلُّ عن المكافأةِ التي نالَها من قبلُ. الجدّة: ركضَ كالسّهمِ نحو النَّهرِ وهو يخلعُ ثيابَهَ وقلبُهُ يرقصُ فرحًا. سامي (يضحك): قالَ لنفسِهِ: لقد جاءني الفرَجُ! الجدّة: لكنَّ الفرَجَ لم يأتِهِ، إذ إنَّ صراخَ الأميرِ والأميرةِ وعشرينَ من رجالِ الحرسِ كانوا يصرخونَ فرَحًا ويصفقونَ للأميرِ الصّغيرِ الذي استطاعَ ببراعةٍ أن يجتازَ النَّهرَ سباحةً. الجدّ: مسكينٌ أيها الفلاحُ الكسولُ الطّماعُ! (ت) سامي: أعتقد يا تيتا مُهيبة- واللهُ أعلمُ- أنَّ الفلاحَ، بطلَ حكايتِكِ، قد قادَه طمَعُهُ إلى ما لا يُحمَدُ عُقباه! الجدّ: أحسنتَ! الجدّة: قلتُ لكَ يا جدو عزيز إنَّ سمسومةَ قلبي شعلةُ ذكاءٍ؟
مشاركة :