حَانَ وقْتُ الحِكايَةِ | الحكايةُ السَّادسة | شهرُ الصِّيامِ

  • 3/28/2023
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

(ثلاثون حوارية منقَّحة ومزيدة أبطالُها: حفيدٌ وجدّتُه وجدُّه) [إهداء: إلى كل من لم يتسنَّ له سماعها مُمَثَّلةً عبر أثير إذاعة القرآن الكريم- دار الفتوى في بيروت – 2019] (أ) سامي (ينادي جدته من باب بيتها): رائحةُ حساءِ العدسِ يا جدتي تناديني من مطبخِكِ الثّريِّ. الجدّة (تناديه من المطبخ): أَجعْتَ ولم تبلغِ السّاعةُ الواحدةَ؟ سامي (مستنكرًا وقد اتجه لعندها في المطبخ): أنا؟ أنتِ لا تعرفينني بعدُ، ولكن… تعرفينَ أنَّ أولَ يومِ صيامٍ يومٌ غيرُ عاديٍّ! الجدّة (تضحك): أعرفُ، أعرفُ. الجدّ (يصل لتوه إلى البيت ويدخل المطبخَ): وأنا أعرفُ أكثرَ من الجميعِ. (ب) الجدّة (تخاطب زوجَها): فلنغادرِ المطبخَ إلى الصَّالة ليخبرَكَ جدُّكَ سرًّا عن أولِ يومٍ صامَهُ، وكانَ في السَّادسةِ من عمرِهِ. الجدّ (يحاول الانسحاب من رواية حكايته مع الصِّيام): كنتُ صغيرًا! الجدّة: وسامي صغيرٌّ سامي: أخبرْني يا جدي، أرجوكَ! الجدّ: مُصِرٌّ؟ الجدّة: مُصِرّانِ! (ت) الجدّ (يروي): عندما لاحظْتُ- يا سامي- أن إخوتي (يوسُف) و(سلوى) و(نُهاد) يبدون في غاية السَّعادةِ في شهر رمضانَ الكريمِ، خاصةً عند إعدادِ المائدةِ الشَّهيةِ في موعد الإفطارِ، قررتُ الصِّيامَ، وكانت تلكَ هي المرةَ الأولى التي أصومُ فيها. الجدّة: لكنَّ جدَّكَ بعد الظّهرِ… (تقطع كلامها وتتوجه إلى زوجها بالحديث): أخبرْ حفيدَكَ، أخبرْهُ! الجدّ: في الحقيقةِ، جعْتُ يا سامي، بل جعتُ كثيرًا. ولكنني لم أعطشْ، رغم أنني كنتُ أرى أباريقَ (التّمرِ هندي)، و(قمرِ الدّين)، و(الجلابِ)، و(العرقِ سوس) على المجلى ليختارَ كلُّ فردٍ من أفرادِ العائلةِ منها شرابَهُ المفضلَ عند الإفطارِ. سامي: يا سلامْ! ما أطيبَ الجّلابَ! الجدّ (يتابع): أحسَّسْتُ- يا سامي- أن عصافيرَ بطنِي «تزقزقُ»: وِتْ وِتْ وِتْ… (سامي وجدته يضحكانِ، والجد يتابع): وبدأَتْ روائحُ حساءِ العدسِ الشَّهيةُ تصلُ إلى أنفِي، وبعدها روائحُ مكوناتِ (الفتوشِ)، فتّوشِ أمي اللَّذيذِ. سامي يتنهد: أكملْ يا جدو عزيز، أكملْ! الجدّ يكمل: وخفتُ أن أقتَربَ من المطبخِ، لأن الرَّوائحَ الشَّهيةَ فيه تمتزجُ بمناظرِ الطَّعامِ الشَّهيِّ الذي بدأتْ أمّي تعدُّه منذُ الظهيرةِ. الجدّة (تتدخل): لكنَّ جدَّكَ لم يستطعْ أن يصمدَ طويلًا! الجدّ (يتابع): فرحْتُ أتمشَّى قربَ بابِ المطبخِ، وأسترقُ نظراتٍ سريعةً إلى الدَّاخلِ. وبدأ لعابي يسيلُ لما رأيتُ صحنَ فطائرِ الجبنِ المقليةِ على الطَّاولةِ يتصاعدُ البخارُ منها وتتصاعدُ معه رائحتُها المميزةُ. سامي: وماذا حدثَ؟ الجدّ: وقفْتُ لحظاتٍ عند البابِ، ثم ابتسمتُ لأمِّي الغارقةِ في إعدادِ الطَّعامِ والتي قالَتْ لي: “ثلاثُ ساعاتٍ ويحينُ موعدُ الإفطارِ”، ورحْتُ يا اسمي أفكرُ وأنا أستخدمُ الآلةَ الحاسبةَ ببراعةٍ: ثلاثُ ساعاتٍ… كلُّ ساعةٍ تساوي ستينَ دقيقةٍ… يعني (180) دقيقةٍ… وكلُّ دقيقةٍ تساوي (60) ثانيةٍ، يعني (10800) ثانية. الجدّة (ضاحكة): صارَ جدُّكَ عالمَ رياضياتٍ! سامي (يضحك): نعم! الجدّ يتابع بمرح: وكدتُ أصرخُ: يا إلهي! لكنني جررْتُ قدميَّ بعيدًا عن المطبخِ، وسارعتُ إلى غرفتِي. وقفتُ عند النَّافذةِ أحاولُ أن أتسلى، لكن عصافيرَ بطنِي يا سامي ظلَّتْ تزقزقُ وتزقزقُ. سامي: وِتْ وِتْ وِتْ… الجدّ: بعد قليلٍ، أحسْستُ بخطواتِ أمِّي تتجه إلى غرفتِها، فمدَدْتُ رأسي من بابِ غرفتِي لأتأكدَ أنها هناك، ولما تأكدتُ، تسللتُ على رؤوسِ أصابعِي إلى المطبخِ. سامي (يشهق): لا! الجدّة: بلى! الجدّ يتابع: فطائرُ الجبنِ الذّهبيةُ ما زالَ بخارُها يتصاعدُ. مددْتُ أصابعي الصَّغيرةَ، و.. تناولتُ فطيرةً و… هوبْ! التهمتُها. ثم نظرتُ حولي بتفحصٍ، وقلتُ لنفسِي: “يبدو أن كلَّ إخوتي خارجَ البيتِ”! ولم تكفِني الفطيرةُ؛ فتناولتُ أُخرى، وهمستُ بصوتٍ خفيضٍ: – آه، ما أطيبَها! الثَّالثةُ أشبعَتْني تمامًا. أشبعتْني بحيثُ صارَ بإمكانِي أنْ أنتظرَ حتى موعدِ الإفطارِ. سامي (يضحك): طبعًا! الجدّ (يتابع): لكن أمي اكتشفتِ الأمرَ؛ لأن الفطائرَ قد نقصَ منها ثلاث. ولم يكنِ الأمرُ ليزعجَها لو حدثَ خارجَ شهرِ رمضانَ الكريمِ… لكن… المهمُّ أنها جمعَتْنا قبيلَ الإفطارِ وقالتْ بصوتٍ هادئٍ: – نحنُ نصوم لا لنأكلَ سرًّا، ولو أردْنا الأكلَ، يجبُ ألا نكذبَ على اللهِ، فهو يرانا. – طبعًا يرانا! قلْنا جميعًا، ولكنَّ صوتَي كانَ الأكثرَ انخفاضًا، فأحسَّتْ أمي أنني أنا مَن فعلَ هذا، فإخوتي لم يسبقْ وأن أفطروا بهذه الطَّريقةِ من قبلُ، فرفعَتْ كتفيْها وقالتْ: – حسنًا، عندما يأتي المساءُ، فسوفَ أقلي فطائرَ الجبنِ بحيثُ تصبحُ شهيةً لذيذةً طريةً. هنا، قلتُ على الفور: -تقصدينَ أنكِ ستسخّنينها، فهي مقليةٌ بشكلٍ جيدٍ يا أمي! شهق سامي: لا يا جدي! لقد كشفتَ نفسَكَ! ضحك الجدّ وقال: ضحكَ إخوتي كثيرًا، وابتسمَتْ أمي قائلةً: – ابني يا حبيبي، إن كنتَ لا تصبرُ على الجوعِ، أجِّل صومَكَ إلى السّنةِ القادمةِ. واستنكرتُ: – لا، بل سأصومُ وسأصبرُ. ومنذ ذلك اليومِ، لم أعدْ أتسللُ إلى المطبخِ وأفطرُ سرًّا! سامي: سلم فمُكَ يا جدو عزيز، وسلمَ فمُكِ يا تيتا مُهيبة، فالحكايتان اللّتان قصصتماهما عليَّ من مذكراتكِما رائعتانِ. الجدة (بجد): أتشجعنا أن نكتب مذكراتنا؟ الجد: والله فكرة! سامي: أشجعكما؟ بل أتمنى أن لا تمرَّ السّنةُ إلا وأقرأ كتابينِ رائعينِ موقّعينِ باسميكما! الجد والجدة (معًا): تكرمْ عينَك!

مشاركة :