د. إيمان بقاعي | (ثلاثون حوارية منقَّحة ومزيدة أبطالُها: حفيدٌ وجدّتُه وجدُّه [إهداء: إلى كل من لم يتسنَّ له سماعها مُمَثَّلةً عبر أثير إذاعة القرآن الكريم- دار الفتوى في بيروت – 2019] (أ) الجدّة (تخاطب سامي): على سيرةِ الحكماءِ يا حبيبي يا سامي الذي فاجأَني بأنَّه يتابعُ أخبارَهم ويحذو حذوَهُم… سامي (يتنحنح فخورًا): شكرًا يا جدتي. الجدّة (تكمل): قرأتُ مرةً أيضًا عن المهاتما غاندي قصة لا أنساها. الجدّ (معلقًا وممازحًا زوجتَه ومخاطبًا حفيدَه): قرأَتْ جدَّتُكَ، أيضًا، عنْ المهاتما غاندي. الجدّة (تجابهُ زوجَها): قلتُ إنني قرأْتُ ولم أقلْ شاهدْتُ فيلمًا، إنْ كنتَ تلمِّحُ إلى أنني أستنسخُ أفكارَ حفيدي سمسمومة قلبِ جدَّتِهِ. (سامي يضحك)، والجدّ (يعترض): أنا قلْت تستنسخين؟ أعوذُ باللهِ! سامي: جدي لا يقصدُ هذا أبدًا. الجدّ: شكرًا يا سامي لأنكَ تدعمُني في الأوقاتِ الحَرِجةِ. سامي (بتهذيب): وَجَدْتَ أهْلًا وَنَزَلْتَ سَهْلًا، لا وَعْرًا! الجدّ: تسلمْ يا حبيبي. الجدّة (بغضب): أتريدانِ أن تسمعا أم تريدانِ تمضيةَ وقتِكُما واحدٌ يدافعُ عن الآخَرِ، وواحدٌ يشكرُ الآخَرَ؟ (الاثنان معًا): بل نسمعُكَ. الجدّ: تفضلي. سامي: تفضلي يا جدتي. (ب) الجدّة: يعتقدُ بعضُ الحُكماءِ أنَّ الحكمةَ التي ينالُها الحكيمُ بعدَ تجربةٍ شخصيّةٍ مرَّ بها أفضلُ من تلكَ التي مرَّ بها الآخرونَ فاستخلصَ من تجاربِهمِ الحكمةَ. الجدّ: وما رأيُكِ أنتِ يا سِتْ مهيبة؟ الجدّة: أنا أعتقدُ أنَّ… الجدّة (تتوجه إلى حفيدِها بالسُّؤالِ): ما رأيُكَ أنتَ يا سامي؟ سامي (يتنحنح بصوت خفيض): رأيي يا جدتي… الجدّة: نعم. سامي: رأيي يا جدتي… أنا أعتقدُ أنني… الجدّة: قلْ، عبِّرْ! سامي (بصراحة): أعتقدُ أنني لم أفهمْ تمامًا ما قلتِهِ. الجدّ: جدتُكَ تقصدُ أنَّه من الأفضلِ أن يمرَّ الحكيمُ بالتَّجربةِ كي يكونَ حُكْمُهُ صادقًا. سامي: يعني؟ مثلًا؟ الجدّة: القصةُ التي سأخبركُما إياها هي أكبرُ مثَلٍ. الجدّ وسامي: نسمعُكِ. الجدّة: بعد أن فشلَتْ أُمٌّ هنديَّةٌ بإقناعِ ابنِها بعدمِ أكل الحلوى، وكانَ يحبُّها جدًّا حتى إِنَّهُ ما كانَ يأكلُ غيرَها، أخذَتْه إلى المَهاتْما غاندي. ولما دخلَتْ عليه، قالت له: يحبُّ ابني، أيُّها المَهاتما غاندي، أكلَ الحلوى، وقد حاولْتُ منعَهُ عنها ففشلْتُ فشلًا ذريعًا. فنظرَ المَهاتْما غاندي إلى الولدِ، فالأُمِّ، ثمّ قال لها: اذهبي الآنَ، وعودي بعدَ شهرٍ. سامي وجده (مندهشان): لماذا؟ لماذا بعد شهر؟ سامي: أخشى- يا تيتا مُهيبة- أن يكونَ المهاتما وجدَ الموضوعَ لا يستحقُّ اهتمامَه، فقد جاءَتْهُ تطلبُ نصيحةً في الوقتِ الذي تشغلُ بالَهُ أمورُ السّياسةِ. الجدّ: لا، لا أعتقد، فالحُكَماءُ- يا سامي- يأخذونَ كلَّ الأمورِ على محملِ الجدّ، فتناولُ طفلٍ هنديٍّ الحلوى- على ما أعتقد- لا يقل أهمية عن النّضالِ في سبيل استقلال الهندِ وقول الحقيقةِ حتى لو كلفَه قولها سجنه! الجدّة: وكما قالَ جدُّكَ يا سامي، أخذَ المهاتما غاندي الأمرَ على محمَلِ الجدّ، لكنه نظرَ إلى الصّبيِّ الصّغيرِ نظرةً ثانيةً متأملةً، وهمسَ للأمِّ بصوتٍ خفيضٍ: اذهبي الآنَ، وعودي بعدَ شهرٍ! الجدة (تكمل): ومثلما استغربتما، استغربَت الأمُّ القادمةُ من مكانٍ بعيدٍ في الهندِ جوابَ المّهاتْما، وقالَتْ مُعتَرِضَةً: ولكنَّني أَتيْت من مكان بعيدٍ، وطلبي بسيطٌ جدًّا لا يتعدّى نصيحةً بسيطةً تقدمُها له، فأنتَ مثَلُه الأعلى ومثَلُ فتيانِ وشبابِ وشبابِها. لكنَّ المَهَاتْما غاندي أصرَّ، وكرَّرَ للمرة الثَّالثةِ جملَتَهُ نفسَها: اذهبي الآنَ، وعودي بعدَ شهرٍ! سامي وجده (يتنهدان ثم يسألان معًا): وذهبَتْ؟ الجدة: ذهبَتِ المرأةُ وعادَتْ بعدَ شهرٍ مع ابنِها، وذكَّرَتْه بنفسِها وبمشكلةِ الابنِ، فطلبَ المَهاتما غاندي مِن الطِّفلِ أن يقتربَ منه، ونظرَ طويلًا في عينيه، ثم ابتسمَ وهو يمسحُ رأسَهُ بكفِّه وقالَ له هذه المرة بصوتٍ خفيضٍ: كُفَّ عن أكلِ الحلوى يا ولدي! سامي (بدهشة): ولماذا لم يقلْ هذه الجملةَ من شهرٍ، وتركَهما ينتظرانِ كلَّ هذا الوقتِ ويقطعانِ كلَّ هذه المسافةِ؟ الجد (بدهشة): لماذا؟ الجدة: اسمعا! ابتسمَ الصَّبِيّ، وصمتَ المَهاتْما. لكنَّ الأُمَّ سألتْه: لماذا لم تقلْ هذهِ الجملةَ، أيّها المَهاتْما، مِن شهرٍ، وتركتَنا ننتظرُ كلَّ هذا الوقتِ ونقطعَ كلَّ هذهِ المسافةِ؟ أجابَ غاندي بهدوئِهِ المَعْهودِ: – ما كنْتُ لأستطيعَ أنْ أنصحَ إنسانًا بالكَفِّ عنْ أكلِ الحلوى وأنا أقومُ بـالأمرِ نفسِه ؛ لذا أقلعْتُ خلالَ هذا الشَّهرِ عنْ أكلِها لتكونَ نصيحتي صادقةً ومؤَثِّرة. الجد (بدهشة): يبدو أنه قرر أن يقولَ الحقيقةَ دائمًا، في كل الأمورِ، بدءًا من الحلوى وانتهاءً بقضايا الوطن. (ت) سامي: جدو عزيز، أتعتقدُ أن المهاتما- بعد هذه الحادثةِ- كفَّ عن تناولِ الحلوى؟ الجد: أعتقدُ أن عدم تناولِ الحلوى ما كانَ سيتعارضُ وطريقةَ تناولِ طعامِه أصلًا، والتي كانَت تقتصرُ على الأكل النّباتيّ البسيط، إضافةً إلى فتراتِ صيامٍ طويلةٍ كانَ يصومُها. الجدة: ومع ذلكَ، أرادَ أن يقومَ بالتّجربةِ. سامي: والتّجربة احتاجَتْ إلى شهرٍ كاملٍ. الجد: كل تجربةٍ تحتاجُ إلى وقتٍ. سامي: حتى لو كانت تجربة امتناعٍ عن أكل حلوى؟ الجد: حتى لو! Related Posts حَانَ وقْتُ الحِكايَةِ | الحكايةُ السَّادسة | شهرُ الصِّيامِ حَانَ وقْتُ الحِكايَةِ | الحكايةُ الخامسة | كيفَ أدرسُ؟ حَانَ وقْتُ الحِكايَةِ | الحكايةُ الرَّابعة | سرُّ فوزِ الضِّفدَعِ حَانَ وقْتُ الحِكايَةِ | الحكايةُ الثَّالثة | الجَرْوُ يتحدَّى فيلًا حَانَ وقْتُ الحِكايَةِ | الحكايةُ الثَّانية | سليمُ البطل
مشاركة :