رغم أنها أصبحت طبقاً عاماً بعد أن كان خاصاً ومقتصراً على منازل معينة، نظراً للأوضاع الاقتصادية في الزمن القديم، حيث كان الناس يعيشون في الصحراء أو المدن والقرى البسيطة ذات النشاط الاقتصادي المحدود، وعدم توافر المواد الغذائية التي يمكن للجميع شراؤها، والتمتع بأشهى الوجبات بخاصة في شهر رمضان، رغم ذلك كانت هِريسة رمضان غير، وتلك الخصوصية منحتها مكانة خاصة، جعلت الناس يشتاقون إليها من عام إلى عام. هكذا يشعر الصائمون بأن هريسة «زمن لوّل» تختلف عن الهريسة في زمننا هذا، فهي متوافرة طوال العام مما أفقدها بريقها وقيمتها الزمنية، حتى القدور التي تطبخ فيها والتي يتعاون الأفراد على حملها لثقلها وقوتها وجودة المواد التي صنعت منها اختلفت، صارت أهم وجبة شعبية تُطبخ في قدور الضغط، والأواني العادية، وما عادت الهريسة تحتاج ليلة كاملة لتُدفن في الموقد، وهي مغطّاة «بيونيّة من الخيش» كي لا تبرد، ولم يعد ضربها بالمضراب الخاص بها حاضراً إلاّ في بعض المنازل التي حين تمر بجانبها تشتم رائحة رمضان «الخنينه» ودهنة الدار الطازجة، وهي تملأ بعبقها الحارات والفرجان. وكما أن «طعم» الهريسة تغير، فإن أشياء كثيرة طالتها يد التغيير كذلك في رمضان، فكل يوم يأتي بجديده الذي يعيشه الجيل الحالي، ويجهل التعامل مع بعض تفاصيله «الدقة أو الموضة القديمة» كما يقولون، أولئك المحاربون الذين يريدون لكل شيء مضى أن يكون حاضراً وملموساً ومعيشاً وقريباً من الأرواح لأنه أصلُ كل خير. من طبيعة الأشياء التغيّر والتبدّل كالعادات والتقاليد والأعراف والسلوكيات كل ذلك يتحوّل بامتداد الزمن وتقلباته، ومن المهم عند ذاك الانتباه إلى ما تخلفّه دورة الأيام من آثار قد يكون بعضها خطيراً أو مخالفاً أو خارجاً على العمق الحقيقي لـ«السنع» والعادات، من ذلك مثلاً، التحول في شكل الملبس والمأكل بخاصة لدى جيل الشباب الذين يفتقد بعضهم للقدوة، مما يجعلهم يتّبعون طرائق جديدة للظهور أوالتواصل مع الآخرين. مدخل الحديث كان عن متغيرات الهريسة بفعل التحرك الطبيعي للأيام ولأحوال البشر وطرائق معيشتهم، ورغباتهم التي تتحول بتنوع وتعدد الاختيارات والمغريات من حولهم، الأمر الذي طال «اللقيمات، والفرني، والكستر، ولفقاع، والخنفروش» وغيرها من الوجبات الرمضانية التي أُدخلَ عليها الكثير من التجديدات. ورغم كل التحوّلات الهريسيّة تبقى هريسة قصر أمنا الراحلة الشيخة حصة بنت محمد آل نهيان «غفر الله لها» حاضرة في أعماقنا، وعلامة مهمة للشهر الكريم ورفيقة كل الأجيال في مدينة العين.
مشاركة :