مرجعيات ثقافية في الرواية الخليجية.. مـرجعيات الـروايـة (3)

  • 2/13/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

إن كل المجتمعات الإنسانية منذ الخليقة حتى يومنا وإلى قيام الساعة هي مجتمعات تأسست وتكونت على الصراع والجذب والقبول والرفض، وبين الثنائيات والتقاطبات أمام المجتمع وفئاته وأعراقه ومختلف ألوانه، وهذا يعني أن الصراع حالة طبيعية وهي جزء من التكوين الوجودي لهذه المجتمعات. ومهما تطورت أشكال الرواية، وتعددت، فإنها تظل تروي علاقة صراعية فردية أو جماعية تعكس بوعي أو من دون وعي حركة التاريخ. وإن كان هذا العمل مضنياً وعسيراً وشاقاً إلا أن من يؤمن بدور الكلمة والنص الإبداعي وأثره في المجتمع فإنه ينظر إلى الواقع المعيش بصورة تمكنه من استكشاف الجديد. ولو رجعنا إلى كتاب (اعترافات روائي ناشئ) لأمبرتو إيكو لعرفنا أهمية المرجعيات الثقافية ودورها في فعل الكتابة والمتخيل على حد سواء، إذ يذكر الكاتب بين الحين والآخر تلك المهمة التي ينبغي القيام بها من قبل المبدع قبل الشروع في الكتابة من جهة، والتأمل في المرجعية الرئيسة التي سيتكئ عليها المبدع والنص معاً، وينطلق إلى فضاءات أخرى داخل عالم الرواية، فهو يشير إلى قراءاته الواعية لمرحلة القرون الوسطى حينما كان يجمع ويعد أطروحة الدكتوراه. وكانت هذه المادة التي جمعها من المصادر المختلفة طوال اشتغاله بالإعداد وانكب على قراءتها الساعات ساعدته فيما بعد، باتت مرجعية ثقافية لرواية (اسم الوردة) التي كتبها في سنتين، وهي أقل فترة زمنية كتب فيها عملا إبداعيا، حيث كتب رواية بندول فوكو في ثماني سنوات، ورواية جزيرة اليوم السابق في ست سنوات، وباودولينو في ست سنوات أيضا، كما كتب رواية الشعلة الغامضة لملكة لوآنا في أربع سنوات، مما يؤكد أن الكتابة الرواية ليست بالأمر الهين والعمل السهل، بل مخطئ من يرى ذلك سواء من كتاب الرواية أم من القراء أم من الناشرين، وإنما تتطلب كتابة الرواية إلى جهد ثقافي وفكري، واستعداد نفسي، وطوال وقت. وهنا يشير الروائي إبراهيم عبدالمجيد في السياق نفسه عن إحدى رواياته التي استمر في كتابتها عدة سنوات، فيقول: استغرقت كتابة رواية لا أحد ينام في الإسكندرية ست سنوات من العام 1990 حتى 1996، وهي أكبر رواية احتاجت مني إلى عمل، فقد قرأت لها عشرات المراجع عن الحرب العالمية الثانية، كما قرأت صحف ذلك العصر في مصر كلها التي تغطي الفترة من سبتمبر 1939 حتى نوفمبر 1942، وهو موعد نهاية معركة العلمين التي ابتعدت بالحرب عن مصر بعد هزيمة قوات المحور، لذلك زرت كل المواقع التي كتبت عنها في الرواية، وكنت أزورها تقريبا كل أسبوع مرة أمشي صامتا أفكر وأترك نفسي للإحساس بالمكان وخاصة منطقة الصحراء الغربية. وفي الوقت نفسه نجد الحكاية عند المبدعين، مثل: الروائية الإنجليزية دانيال ستيل التي تقول: أقضي سنتين أو ثلاث سنوات في البحث والتطوير في مشروع واحد، وكذلك تقول إيزابيل اللندي الروائية التشيلية: إنني أقوم بقراءة الصحف وكثيرا ما تدفعني أخبار صغيرة إلى كتابة رواية كاملة. وهذا ما كان يؤكده حميد لحمداني حين قال: تنبني مرجعية النص الروائي على قطبين محوريين، هما: قطب دلالي فكري، وقطب فني جمال، ومن خلالهما يمكن النظر إلى مدى تفاعلهما داخل النص. وحينما يلجأ الكاتب إلى مرجعية ثقافية ما فهل يعني أن يتبنى ما تحمله هذه المرجعية من مفاهيم ومقاصد؟ أم هي مدخل يمكنه من اقتحام عالم النص الروائي الذي يريد الكتابة فيه وعنه وحوله؟ وهل يستطيع الروائي أن ينظر من خلال عالم النص الروائي إلى أزمات المجتمع في ضوء تلك المرجعيات التي يتكئ عليها، إذ ربما يواجه الروائي العديد من القوانين والأعراف التي لا تعطيه المجال للكتابة والدخول في مناطق يراها هذا المجتمع أنها محظورة، لهذا تقع المسؤولية الأدبية على الروائي وعلى الكيفية التي تهيؤه إلى الدخول في هذا المسكوت عنه، وفي الوقت نفسه من دون الاصطدام بالرقيب المجتمعي. وطالما أن الكاتب والقارئ معاً يبحثان عن تلك الشخصيات الروائية التي لها بعض موصفات تتمكن من إقناعهما، فمن الأجد أيضا أن المبدع في أثناء رسم خريطة العمل الروائي أن يكون قادراً على رسم شخصياته وهي تملك القدرة على الإقناع حينما تتشكل وتتفوه بالمقولات والسلوكيات، حيث كيف يتم إقناع القارئ بشخصية الفلاح وهو يتفوه بلغة تفوق مستواه التعليمية والمهني والعكس أيضا، لأن الملامح المختلفة عادة تشكل نمطيتها. ومن تلك الأمثلة التي تعكس بعض صور المجتمع في المنطقة مناقشة التطرف الديني في المجتمعات الإسلامية والعربية، فإن الكاتب يتجه لاستقدام مرجعية مرتبطة بمفاهيم دينية ذات منحى متطرف أو مرجعية تؤسس فعل الإقصاء للآخر، وحين يناقش هنا مجموعة من القضايا ذات العلاقة بالتطرف، فإنه يلجأ إلى قراءات واسعة في عمليات التطرف الديني والطائفي والعرقي والجنسوي ليس على مستوى العالم العربي، إنما على مستوى العالم أجمع. والكاتب الذي يعلم مهمة الأدب والفن، ودورهما تجاه المجتمع، فإنه بلا شك يرسم خريطة ذهنية وسرم هندسي معماري لما سيقوم به ويدونه كأن يطرح على نفسه بعض الأسئلة، مثل: كيف سيتم تناول الموضوع، والطرائق التي ينبغي أن يسلكها؟ ولم هذا الموضوع بالتحديد دون غيره من الموضوعات؟ ومن هو المعني بالموضوع حين يخرج إلى الملأ؟ حيث القارئ الضمن أو النموذجي ودوره في القراءة وتلقي الموضوع، وأي الفئة أو الشريحة أو المجموعة أو الطبقة أو المجتمع الذي يعنيه هذا المنجز. وهذا ما أقدم عليه على سبيل المثال لا الحصر الروائي الجزائري واسيني الأعرج في روايته التي أصدرتها مجلة دبي الثقافية بعنوان (أصابع لوليتا) حين قام بالكتابة عن التطرف، وكيفية تجنيد الفتيات الجميلات وغير المرتديات للحجاب أو النقاب أو اللباس الديني بشكل عام، وذلك لتكون قنبلة يحددون متى انفجارها وأين، وضد من! وهنا يمكن القول بأن الكاتب مؤمن بهذا الفكر، بل هو أحد الذين حاربوا بقلمهم هذا التطرف، ولهذا فالمرجعية هنا ليس له بقدر ما هي للنص الناقد لهذا الواقع المرير. والرواية التي تعتمد المرجعيات قد تأخذ مرجعيات من والواقع المعيش، أو من التراث والفلكلور والتاريخ أو من الفكر والثقافة والمعارف أو من الفكر الإيديولوجي، أو في سياقات اللغة وجمالياتها، وهذه المرجعيات وغيرها ذات علاقة ليس بالنص وحده، بل بكاتب النص وقارئه أيضا. وأيا كانت هذه المرجعيات الثقافية فإن كاتب النص الروائي لا يمكنه الابتعاد بلغته عن مستويات الفهم والتلقي عند القارئ، وإنما يجعل النص الحامل للمرجعيات مكتوبا بلغة يمكن للمتلقي فهمه ومعرفته، أي أن المرجعية أساسا يمكن لنا معرفتها في النص حينما نتأمل العلامة اللغوية ومدى تجاوزها من كونها علامة لغوية إلى واقع كلامي، والانتقال من تلك الدلالة اللغوية إلى الدلالة التركيبية للغة وإن كانت بعض الأحيان يخرج الكاتب عن مألوف تلقي النص لغوياً. وفي العموم تكون المرجعيات المستترة وراء النص متوافقة قدر الإمكانوطبيعة التلقي، وبخاصة إذا كان التلقي تلقياً إيجابياً أو نموذجياً، مثل: توظيف الأساطير العالمية كما هو عند بدر شاكر السياب في الشعر، إذ استطاع أن يجعل الأسطورة والميثولوجيا موظفة في للنص الشعري، وبشكل سلس وممتع، ويجعل القارئ متفاعلاً مع النص ومكوناته ومحتوياته. أو توظيف عالم البحار والمحيطات كما هو عند حنا مينة، الذي بات استاذاً في نقل عالم البحار والمحيطات وما يتعلق بهما في النص السردي. ونحن لا يداخلنا الاستغراب في هذا التوظيف وهذه المرجعية، لأنه طبيعة التربية والمكانية التي امتزجت بالكاتب منذ صغر سنه وأخذته بعيداً نحو أفق المياه وجبروت البحر وغطرسة المحيطات.أو حينما يتناول الكاتب مجال التوجيه والإرشاد والبعد التعليمي في النص الروائي من بعد ديني وأخلاقي، كما في أعمال الروائية الكويتية خولة القزويني التي كرست نصها السردي لخدمة هذا التوجه، والدعوة إليه عبر ما تطرحه.

مشاركة :