وزارة العدل هي في نظري (أُمّ) الوزارات. وهي العصب الحيوي لأي مجتمع مدني مُتحضِّر، فضلاً عن مجتمع مُسلم يُوقن بأن العدل هو من أوامر الله العليا المُقرَّرة في كتابه العزيز، فهو فريضة لازمة، وعمود متين، وأصل تقوم بثباته بقية الأصول والفروع: (إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان...). ولذا آلمني كما سرّني الانتقادات التي وجّهها بعض أعضاء من مجلس الشورى الموقَّر إلى الوزارة الأسبوع الماضي. أولاً الانتقاد مُوجَّه نحو أداء بعض موظفي الوزارة. وذلك منبع الألم، فالتقصير الذي يُمارسه بعض منسوبي الوزارة (وهم كثر حسب النقاش الذي دار في مجلس الشورى) ملحوظ، خاصة في بعض المدن الصغيرة التي يبدو أن الرقيب عنها غائب، أو أنه شخصياً من جملة المُقصِّرين أو المُتسيّبين. في بعض المدن الصغيرة، ومن واقع تجربة شخصية، يتنافس بعض الموظفين وما فوقهم في مسابقة (ابتكارات) لتصريف المراجعين والمراجعات، هؤلاء يتفنَّنون في ممارسة (عمل بلا عمل)، همّهم الأكبر استلام الراتب والتزويغ من الدوام، وإن كان ولا بد فحديث الساعة عن الكُرَة والعقار، والاستراحات والطلعات والخرجات. وذلك بالطبع لا ينفي التقصير في بعض بيوت العدل الأخرى. وحتى نكون مُنصفين، فإن العدوى شاملة، لا يكاد يسلم منها جهاز حكومي، وهو ما تُؤكِّده كل الدراسات الميدانية والبحثية، فالإنتاجية ضعيفة جداً، والضرر بالغ جداً، بيد أن بيوت العدل هي الدار التي يلجأ إليها كل مُتضرِّر، والتي يُفترض أن يحتكم إلى قرارها كل مظلوم. هي آخر القلاع التي يلجأ إليها صاحب الحق المنقوص، فإذا وجد أبوابها مغلقة أو معطلة أو بطيئة في استرداد الحقوق واسترجاع المظالم، من قِبَل بعض منسوبيها، أصابه الإحباط ودارت به الظنون، إذ لا ملجأ بعد الله إلاّ بيوت العدل، التي يُفترض أن تُقيم العدل. وحتى نكون منصفين، فلا بد من الإقرار بأن كثيرا من أنظمة الخدمة المدنية القائمة لا تُساعد على التخلص من (الخبث) الوظيفي إلاّ بشق الأنفس، مما يساعد على تزايد هؤلاء المتسيّبين والمُقصِّرين، لأن عدوى التسيُّب والتقصير مُعدية بسرعة، ومستقوية بشدّة. والثمرة الفاسدة تفسد ما حولها إلاّ ما رحم ربي. تصحيح الأخطاء مهمة عسيرة لا بد من مواجهتها بهمّة كبيرة. salem_sahab@hotmail.com
مشاركة :