محمد كركوتي يكتب: البحث عن نظام مالي جديد

  • 6/26/2023
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لم تتوقف المطالبة بإنشاء نظام مالي عالمي جديد، ينظم الاقتصاد العالمي، ولاسيما في أعقاب سلسلة لم تتوقف من الاضطرابات التي ضربت هذا الاقتصاد، من خلال الخلافات الجيوسياسية، والمعارك التجارية، والمشاكل التي واجهت النظام المصرفي العالمي في أكثر من حقبة، ومصائب الديون التي تكبل البلدان الفقيرة وتلك التي توصف بالأشد فقراً، وعدم عدالة النظام القائم. فهذا الأخير الذي ولد من مؤتمر «بريتون وودز» في أعقاب الحرب العالمية الثانية، لم يعد صالحاً لعالم اليوم بتغيراته واستحقاقاته وتحولاته وحتى مفاجآته. فقوانين ما بعد الحرب الكبرى، باتت مكبلة لأي تطور مأمول على الساحة العالمية، حتى من وجهة نظر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش الذي يذهب أبعد من ذلك ويدعو لإصلاح مجلس الأمن الدولي ذاته. نظام «بريتون وودز» عفا عليه الزمن، هذا ما يعتقده عدد كبير من قادة العالم، بمن فيهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أطلق مبادرة طموحة ومفصلية بدعوته لقمة باريس قبل أيام تحت عنوان عريض «ميثاق عالمي مالي جديد»، بل ودعا إلى «صدمة حقيقية» في هذا المجال. وهذا يعني أنه لا بد من السعي نحو تأسيس نظام آخر يأخذ في الاعتبار كل المتغيرات التي حدثت على الأقل في العقود الثلاثة الماضية، ولاسيما في ظل التركيز الدولي الراهن على التغيرات المناخية وتأثيرها على التنمية في البلدان النامية على وجه الخصوص. فالمعركة في مواجهة التغير المناخي، تتطلب رؤية مختلفة على صعيد مساعدة البلدان الأقل تحملاً من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية. يضاف إلى ذلك، الضغوط الآتية من جهة الديون المتراكمة على هذه البلدان، والتي تأخذ أشكالاً خطيرة يوماً بعد يوم. لكن هذا ليس المحور الوحيد في السعي لنظام مالي (اقتصادي) آخر على الساحة الدولية. فقد أظهرت العقود الماضية، ثغرات مفجعة على صعيد بنوك التنمية متعددة الأطراف، ما يحتم أن تكون على رأس الجهات التي يجب أن تخضع للإصلاحات من أجل ضمان نظام مالي جديد عالي الجودة. لا شك في أن الخطوات الراهنة من أجل التغيير، تؤسس لقاعدة يمكن الانطلاق منها، خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار السعي الحثيث لدعم القطاع الخاص، من أجل مشاركة أقوى في التنمية في البلدان المنخفضة الدخل. وهذه النقطة تعد الأكثر محورية. لأن التنمية تساعد مباشرة ليس فقط في رفع مستوى أداء الاقتصادات الفقيرة، بل في دمجها ضمن مخططات محاربة التغير المناخي المربوط مباشرة بالتكنولوجيا الخضراء. الطموحات كبيرة، وأدوات التغيير متوافرة إذا ما وجدت من يريد تشغيلها والانغماس في تأسيس نظام مالي عالمي أكثر عدلاً، والأهم أكثر مواءمة مع التغييرات والاستحقاقات على الساحة الدولية ككل. القوانين التي أُطلقت على العالم في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ليست قابلة للإصلاح بقدر ما هي بحاجة للتغير الشامل. فحتى معايير القوة تغيرت، ومستويات التأثير تبدلت، ومفاهيم التعاطي مع المستقبل اختلفت تماماً.

مشاركة :