يتزايد حجم الطروحات الخاصة بمسألة الوضع الراهن للنظام العالمي، وتتسع دائرتها بحيث باتت الملف الحاضر على الساحة الدولية حالياً، ولاسيما في ظل بروز أصوات من جهة الغرب، تعترف بوجود ثغرات هائلة في النظام الاقتصادي العالمي الحالي، الذي انطلق بشكله الراهن في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وهذه الطروحات ليست جديدة، ولكنها كانت تظهر في السابق على شكل «طفرات» سرعان ما تخبو، خصوصاً مع عدم وجود جهات تدعمها أو أطراف تدعو للانخراط في مناقشاتها. الأمم المتحدة في ظل أمينها العام أنطونيو جوتيرش، لم تتوقف عن طرح هذه المسألة المحورية في كل المناسبات. حتى إنها صارت جزءاً من الحراك العام للأمانة العامة للمنظمة الدولية. بحسب جوتيرش، فإن النظام المالي العالمي يواجه التفكك، بل يحذر مما أسماه بـ«صدع هائل في الاقتصاد العالمي». ولذلك لا بد من حلول اليوم وليس غداً. والحق أن هذه الدعوة تجد داعمين لها على الساحة الدولية بصورة متزايدة. فحتى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يعتقد بأن النظام العالمي كان مجدياً لمدة سبعين عاماً، لكنه سمح بظهور تباينات جديدة. وهو ذهب أبعد من ذلك بقوله قبل ثلاث سنوات تقريباً، إن هنا «أزمة في ديمقراطيتنا سمحت بإعادة إحياء النهج الأحادي». وعلى الرغم من أن ماكرون كان يقصد الوضع الدولي خلال وجود الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في السلطة، فإنه وسع نطاق طرحه ما بعد خروج هذا الأخير من البيت الأبيض. أي أن المسألة لا تتعلق بإدارة أميركية اتخذت منهجاً محلياً مغلقاً، بل بتوجه عام، وجد زعماء غربيون ضرورة في علاجه أو دراسته مع كل الأطراف دون استثناء. فحتى الرئيس الفرنسي قال بوضوح «إننا منفتحون للحوار مع كل الأطراف، بصرف النظر عن التباينات السياسية معها». ولا يمكن ترك الآثار الأخيرة لنتائج قمة «بريكس» التي عُقدت في جنوب أفريقيا جانباً. بل على العكس تماماً. فتوجهات المجموعة (تضم الهند والصين وروسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا) التي أعلنت دعوات لانضمام ست دول مؤثرة إقليمياً وعالمياً، تؤكد مجدداً أهمية التغيير المطلوب في النظام العالمي ككل، بل وتتماشى حتى مع رؤى بعض قادة الغرب، الذين يعتقدون بمحورية التغيير بما يكفل أداء صحياً للنظام العالمي. وهذا أمر طبيعي في ظل المتغيرات التي شهدها العالم في العقود السبعة التي تلت الحرب العالمية الثانية. فحتى ماكرون يقول علناً «إن النظام العالمي الحالي، ينظر إليه على أنه غربي للغاية». وهذا يعزز الرؤى التي تُطرح هنا وهناك على صعيد إصلاحات باتت حتمية الآن في هذا النظام. فالتباينات متعددة وتتسع في مجالات مختلفة بما فيها استراتيجيات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وتضارب أطر العمل. وغير ذلك من فجوات صارت منذ سنوات تمثل خطراً على النظام العالمي الحالي، وتعزز مسار التفكك المالي.
مشاركة :