تخرج الشركات بكل أحجامها من السوق لأسباب عديدة، من بينها تخلفها في رصد تمويل حقيقي للأبحاث التطويرية الخاصة بمنتجاتها، أو حتى الامتناع عن إقامة شراكات استراتيجية مع مراكز الأبحاث بالجامعات والمعاهد المختلفة. وشهد العالم انهيار شركات كانت تتمتع بأسماء رنانة دولياً؛ لأن منافساتها تمكنت من اللحاق بوتيرة البحث العلمي والتطوير، واستطاعت الاستفادة، بحيث أضافت مزيداً من القوة، ورفعت بالطبع من حجم قيمتها السوقية، وعززت منتجاتها لكي تكون مطلوبة على نطاق واسع. لا حدود لأهمية المخرجات البحثية في الصناعة، فهي أساس التحفيز والابتكار، ولذلك، فإن الشركات التي حافظت على مكانتها، وتقوم بتطويرها وفق المتغيرات والتحولات، حققت مكاسب كبيرة، وزادت من تأثيرها على الساحة العالمية. تظل الشركات الأميركية في المقدمة في هذا الميدان الحيوي، مقارنة بنظيراتها الأوروبية والآسيوية. وهذا أمر ليس غريباً لو لاحظنا اهتمام هذه الشركات بهذه المسألة منذ زمن بعيد يعود إلى بدايات القرن الماضي. في العام الفائت، بلغ حجم إنفاق أعلى 500 شركة عالمياً على الأبحاث أكثر من 1.07 تريليون دولار، وفق شركة التدقيق والاستشارات الاقتصادية «أرنست أند يونج»، بزيادة وصلت إلى 12% عن عام 2022. اللافت أن 169 شركة أميركية أنفقت 575 مليار دولار، ورصدت الشركات اليابانية 94 مليار دولار، والألمانية أكثر من 80 مليار دولار. أما الشركات الأوروبية، فقد مولت الأبحاث بـ 245 مليار دولار، أي أقل من نصف ما أنفقته نظيراتها الأميركية، في حين قدمت الشركات من منطقة آسيا والمحيط الهادئ 237 مليار دولار في هذا المجال. ويبدو واضحاً أن المسار الأميركي في هذا الاتجاه سيواصل التقدم في السنوات المقبلة على الأقل، وذلك بعد ملاحظة تراجع عدد الشركات الأوروبية «مثلاً» المدرجة ضمن القائمة الـ(500)، وارتفاع عدد الشركات الأميركية فيها. ولولا الإنفاق المرتفع في تمويل الأبحاث والتطوير في ألمانيا، لكانت «الأوروبية» أقل بكثير مما سجلته في العام الماضي. ولا شك في أن السبب الرئيس لارتفاع هذا النوع من التمويل، يعود إلى الزخم الذي رصدته الشركات التكنولوجية بكل أحجامها، وتتصدر الأميركية منها المشهد العالمي بالطبع. وبالمحصلة، فإن الإنفاق على التطوير والأبحاث، يعد تحضيراً لأرباح المستقبل، لأي شركة ترغب في مواصلة مكانتها في السوق، وأي تقشف في هذا الميدان، سيقوض مستقبل هذه الشركة أو تلك.
مشاركة :