بعد الانتخابات التشريعية الفرنسية التي انبثقت عن قرار الرئيس إيمانويل ماكرون بحل الجمعية الوطنية ساد ارتياح قصير المدى في فرنسا بعدم وصول حزب اليمين المتطرف حزب التجمع الوطني الذي تتزعمه مارين لوبن ورئيسه جوردان برديلا (٢٨) الى الحكم دون أغلبية مطلقة، والحصول على ١٤٣ نائب، اذ اصبح الحزب الثالث في الجمعية الوطنية. كان التخوف سائدا لدى البعض في المجتمع الفرنسي من طروحات التجمع الوطني وعنصريته ضد الإسلام وعدم قبوله بالجنسيات المزدوجة في الوظائف الرسمية وغيرها من توجهات تقليص المشاركة المالية في الاتحاد الأوروبي والتقارب مع روسيا على حساب أوكرانيا وعدم القبول بالموقف الفرنسي التقليدي بحل الدولتين الفلسطينية وإسرائيل الخ. تقدم تحالف اليسار (الجبهة الشعبية الجديدة) مع ١٨٢ نائبا بتيارات متعددة أهمها فرنسا الابية وزعيمها جان لوك ميلانشون والحزب الاشتراكي مع أمين عامه اوليفيي فور والرئيس السابق فرانسوا هولاند والحزب الشيوعي، أنشأ بعض الارتياح. تلاه تحالف الرئيس ماكرون مع ١٦٨ نائبا من تيارات وسطية مختلفة مع ١٦٨ نائبا. لكن أيا من هؤلاء الأحزاب لا يملك اغلبية ليفرض ما يريده لإدارة الأمور والحكم في فرنسا، فاليسار له أكبر عدد نواب علما ان تحالف التيارات المختلفة داخله مصطنع بسبب الخلافات العميقة بينهم. الأغلبية المطلقة تتطلب ٢٨٩ نائبا من اصل ٥٧٧ نائب يشكلون الجمعية الوطنية. أسئلة عديدة مطروحة حاليا بالنسبة لتحرك الرئيس ماكرون الذي كلف غبريال اتال بالبقاء بحكومة تصريف الاعمال لادارة الامن واستقبال الألعاب الاولمبية التي تبدأ في فرنسا يوم ٢٦ يوليو وتبقى حتى أوائل سبتمبر. فالسؤال المطروح من يختار ماكرون لترؤس حكومة جديدة وهل يمدد لأتال الذي يحظى بشعبية كبرى ام يختار شخصية وسطية من الاشتراكيين مثل النائب الأوروبي رفائيل غلوكسمان او يأتي بشخصية اقتصادية تقنية من خارج الأحزاب السياسية. كيف تتعامل الأحزاب التي انهالت بالانتقادات على ماكرون في اختياره رئيس الحكومة وهل تعطل خياراته. صحيح ان هنالك ترحيب من الفرنسيين بعودة الحكم الى البرلمان فضلا عن ان تكون كل النفوذ في يد الرئيس لكن بما ان ليس هناك اغلبية لاحد يسود القلق قطاعات الاقتصاد والمال بالنسبة لخطورة شلل الاقتصاد في فرنسا. لقد حذر الميديف MEDEF وهو جمعية الشركات الفرنسية من عدم تمكن عودة النمو في البلد اذا لم تكون السياسة الاقتصادية فيه شفافة ومستقرة. اما وزير الاقتصاد والمال الفرنسي برونو لومير الذي يتولى الحقيبة منذ سبع سنوات فقال ان "برنامج الجبهة الشعبية الجديدة اليسار الذي اصبح الحزب الأول في البرلمان سيقضي على نتائج السياسة التي طبقناها في السنوات السبع الأخيرة. عدد من رؤساء الشركات الفرنسية يتخوف من برنامج اليسار مع عودة فرض الضرائب عل الشركات الكبرى التي اعفاها ماكرون لتشجيع قطاع العمل والتوظيف. وكان ماكرون شجع نقل البنوك الأجنبية من بنك أمريكا الـJPMorgan chase وgoldman Sachs وMorgan stanley مصرفيين الى العاصمة الفرنسية مع حوافز ضريبية للمؤسسات المالية والاقتصادية العالمية، لكن تفوق كتلة اليسار في البرلمان في المرحلة الأولى تقلق كل المستثمرين الأجانب بسبب الضرائب على العائدات التي تريد الجبهة الشعبية الجديدة فرضها على كل هؤلاء. فالقلق كبير خصوصا ان منذ شهر كان ماكرون نظم مؤتمر في قصر فرساي عنوانه اختاروا فرنسا، واراد منه استقطاب الاستثمارات الى البلد لكن في ظروف عدم يقين التي تخيم حاليا على من يتسلم رئاسة الحكومة وكيف يحكم، من الصعب الاطمئنان الى الأوضاع الحالية في البلد. لكن بعد يومين من نتائج الانتخابات هدأت أسواق الأسهم في فرنسا بعد ان فتحت بخسارة رغم قلق المستثمرين حول مستوى ضرائب إضافية تريد جبهة اليسار فرضها يبلغ ١٥٠ مليار يورو وتجميد الأسعار ورفع الراتب الأدنى smic الى ١٦٠٠ يورو من شأنه ان يقلق المستثمرين اذا طبق. أوليفيي بلانشار الاقتصادي السابق في صندوق النقد الدولي قال لصحيفة لو فيغارو ان رفع الراتب الأدنى سيفلس عدد من الشركات وغيرها من الشركات ستصرف موظفيها لاستعادة التنافس وتخفيض الاستثمار ما يقلص النمو. لكن البعض يرى بالقليل من التفاؤل ان فرنسا ستستطيع انشاء تحالفات في البرلمان دون اليسار المتطرف أي فرنسا الابية التي لها ٧٤ نائبا في الجبهة الشعبية الجديدة ودون اليمين المتطرف. ينقل البعض عن المستثمرين الأجانب انهم اعتادوا على تحالفات قد أنشئت في عدة دول منها المانيا التي تعتبر أساسية في أوروبا. الاقتصاد الفرنسي هو الثاني في أوروبا والقلق من برنامج الجبهة الشعبية الجديدة الاقتصادي شرعي لكن هنالك بعض الشخصيات الاشتراكية التي لها خبرة في الحكم مثل الرئيس فرانسوا هولاند مدركة لما يمكن تطبيقه من برنامج دون تكليف الدولة المزيد من الديون. لكن السؤال: هل يمكن أن يسير تحالف اليسار بالاتجاه الصحيح أو سينجر وراء فرنسا الأبية وميلانشون لتفليس فرنسا بوعوده للشعب الذي صوت له؟
مشاركة :