محمد كركوتي يكتب: استدامة الغذاء العالمي هشة

  • 4/10/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يتلقى الغذاء على مستوى العالم، ولاسيما في البلدان الفقيرة أو تلك التي توصف بالأشد فقراً، الضربة تلو الأخرى. ضربات على نطاق شهري لا سنوي، بينما لا توجد أي مؤشرات تدل على إمكانية تراجع الضغوط على الغذاء بأسعاره وإمداداته وحتى من جهة الأسمدة المستخدمة في إنتاجه. والضربات الراهنة بفعل الحرب الروسية-الأوكرانية، جاءت قوية وسريعة، لأنها أتت بعد أزمة تعرض لها الغذاء العالمي ولدتها جائحة «كورونا». فقد سجل البنك الدولي في «عام الوباء» تراجعاً مخيفاً للأمن الاقتصادي والصحي والغذائي لملايين البشر، مما دفع نحو 150 مليون شخص إلى دائرة الفقر المدقع. ومن يدخل هذه الدائرة، يظل مهدداً في تأمين قوت يومه، ليس من جهة العجز المالي له فقط، بل من ارتفاع أسعار السلع الغذائية. في الشهر الماضي قفزت أسعار الغذاء العالمية إلى مستوى قياسي، بحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو). فالحرب في أوكرانيا أربكت أسواق الحبوب والزيوت النباتية، وأضافت مخاطر أخرى جديدة على الإمدادات، في الوقت الذي يعاني فيه العالم أجمع من اضطراب سلاسل التوريد منذ أكثر من عامين. فالأسعار انتقلت من حدود قياسية مرتفعة إلى أخرى في غضون شهرين فقط، وفق مؤشر (فاو) الذي يقيس السلع الغذائية الأكثر تداولاً عالمياً. ورغم بعض المؤشرات على تراجع حدة التوسع الروسي في أوكرانيا حالياً، وتوجه موسكو، بحسب المتحدثين باسمها إلى إعادة النظر في العملية العسكرية الراهنة، إلا أن الضغوط على الغذاء مستمرة، خصوصاً فيما يرتبط بالإمدادات الآتية من البلدين المتحاربين. وتسهم أوكرانيا وروسيا بنحو 29% من صادرات القمح العالمية، و19% من إمدادات الذرة، و80% من صادرات زيت دوار الشمس. وهذه نسبة مرتفعة للغاية لا يتحمل العالم اضطراباً طويلاً في هذين البلدين سيؤدي حتماً إلى مزيد من مشاكل تستهدف إمدادات الحبوب على وجه الخصوص، والمشكلة ترتفع حدتها إلى ما أخذنا في الاعتبار أن المخاطر لا تستهدف هذه الصادرات بأنواعها فحسب، بل تشمل أيضاً الأسمدة التي تعتمد عليها عشرات الدول في إنتاجها الزراعي. هذه الحرب طرحت أسئلة حول استدامة الإمدادات الغذائية العالمية بشكل عام، كما طرحت تساؤلات لا حدود لها حول اعتماد أوروبا (مثلاً) على 40% من احتياجاتها من الطاقة الروسية. فلا يمكن أن يبقى الغذاء ومعه الطاقة في حالة من عدم اليقين، أو ليست مستدامة بما يكفي. ولا تبدو مهمة المطالبات التي أعلنتها مجموعة الدول الصناعية السبع، بعدم تقييد صادراتها الغذائية بسبب الحرب في أوكرانيا. فكثير من البلدان لا بد أن تلجأ إلى الحمائية في مثل هذه الظروف. وليس أمام الحكومات حول العالم سوى دعم المستهلكين والأسر الأكثر تضرراً مما يحدث على الساحة، وبالتأكيد دعم المزارعين أيضاً، مع العمل على استمرار تدفق ما أمكن من تجارة المواد الغذائية. لكن الأهم من هذا كله، يبقى محصوراً بالقدرة على تغيير أنظمة الغذاء، لكي تصبح أكثر قدرة على مواجهة الأزمات، ولاسيما الكبرى منها.

مشاركة :