أياً كانت المشاكل التي يمر بها الاقتصاد العالمي، تبقى غالبية الأنظار متجهة إلى مسار النمو في الصين. لماذا؟ لأن هذا النمو يعد منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، محركاً للنمو العالمي، ومؤشراً من مؤشرات صحة الحراك الاقتصادي الدولي. اليوم يمر ثاني أكبر اقتصاد في العالم بتعثر على صعيد النمو، من جهة قياسه حالياً بمستواه السابق المرتفع كثيراً، على الرغم من أن النمو الذي تحقق في العام الماضي يعد الأعلى على مستوى العالم، مقارنة بالاقتصادات المعروفة بتحقيقها معدلات ارتفاع عالية في ناتجها الوطني. في العام الماضي توسع الناتج الإجمالي الصيني فقط بنسبة 5.2%، لأسباب عديدة، في مقدمتها الاضطرابات العالمية، وتباطؤ الاستهلاك، فضلاً عن الأزمة التي يمر بها القطاع العقاري في البلاد، التي قد تخرج من الحدود الصينية إلى ساحات أخرى. ومع ذلك، تبقى هذه النسبة من نمو الناتج المحلي، أعلى من المعدل الرسمي المستهدف الذي وضعته بكين عند 5%. لكن في النهاية تبقى منخفضة، مقارنة بالمسار التاريخي العام للنمو في هذا البلد. ويبدو واضحاً، أن الاقتصاد الصيني يحتاج إلى مزيد من التحفيز للوصول إلى الأهداف المرجوة، كما يجب عليه الإسراع في التحول نحو نمو «عالي الجودة»، وهو ذاك الذي يستند إلى الاستهلاك المحلي، وعدم الارتكاز إلى النمط الراهن لمدة طويلة، الذي يعتمد على التصدير. بمعنى آخر، لا بد من تشجيع الإنفاق في واحدة من أكبر الأسواق على مستوى العالم. وتشكل الإجراءات الاقتصادية الحكومية المحفزة قوة دفع هائلة، كما أنها تحفظ المكتسبات التي حققتها اقتصاد البلاد على مدى أكثر من عقدين من الزمن. ولا شك في أن العمل لن يهدأ من أجل الإبقاء على النمو في العام الجديد فوق 5%، فقد وصل حجم الناتج المحلي الإجمالي في السنة الماضية إلى 17.7 تريليون دولار وفق الأرقام الحكومية الأخيرة، لكن صندوق النقد الدولي يرى في هذا الوقت، أن النمو في البر الصيني سيحقق في العام الجاري 4.6%، على الرغم من أنه رفعه عن توقعاته السابقة عند 4.2%. وكانت رئيسة «الصندوق» كريستالينا جورجييفا، اعتبرت أن مستوى النمو الصيني في العام الماضي هو «خبر سار للصين والعالم». ففي النهاية يسهم هذا البلد بثلث معدل النمو العالمي، كما أنه يملك إمكانات كبيرة لتحقيق مزيد من الإنتاجية، غير أنه لا بد من تسارع وتيرة الحراك نحو إصلاحات أخرى جديدة، وانفتاح أكثر، وتكامل أقوى مع الاقتصاد العالمي. وهذه عوامل تدعمها بالطبع المؤسسات الدولية الكبرى المعنية بالشأن الاقتصادي الدولي. وفي كل الأحوال يبقى نمو الناتج المحلي في الصين مؤشراً أساسياً عالمياً، وفي الأسابيع المقبلة، ستقوم الحكومة بتحديد مستوى رسمي للنمو للعام الجاري، علماً أن أغلب المؤسسات تعتقد بأنه لن يكون أعلى من 5%، إلا إذا تمكنت بكين من دعم المسار التنموي بأدوات جديدة، وبإصلاحات تأخذ في الاعتبار ما تحقق بالفعل على الأرض طوال السنوات الماضية.
مشاركة :