تسود أجواء من التفاؤل الساحة الدولية فيما يتعلق بانتعاش الإمدادات النفطية في العام الجاري. ولا شك في أن إنهاء الصين الإجراءات الاحترازية المشددة الأخيرة، لمحاصرة موجة هائلة جديدة من وباء «كورونا»، سيساهم مباشرة في الانتعاش المتوقع على الأقل في الأشهر الفاصلة حتى منتصف العام الجاري. ومن الواضح، أن العودة التدريجية للأداء الاقتصادي العالمي في أعقاب الانتهاء من تبعات الجائحة العالمية، زاد الطلب على الطاقة بشكل عام، وعلى النفط خاصة في الآونة الأخيرة، ولاسيما في بلدان تعتمد على البترول في إنتاج الطاقة الكهربائية، على الرغم من اتساع رقعة توليد الكهرباء عبر مصادر الطاقة المتجددة، فالنفط ما زال يمثل محوراً رئيسياً للطاقة بشكل عام، وسيبقى كذلك مع كل التحولات الراهنة في هذا الميدان. وتتفق وكالة الطاقة الدولية مع التوقعات الخاصة بانتعاش الطلب على النفط هذا العام، خصوصاً من ناحية المؤشرات الخاصة بالنمو في الصين. صحيح أنه لن يعود إلى المستويات العالية السابقة للأزمة الاقتصادية التي جلبتها «كورونا»، لكنه سيحافظ على نمو معتدل في العام الجاري، ما يرفع الطلب على الطاقة بشكل عام، وعلى البترول على وجه الخصوص. وتستهدف بكين نمواً بحدود 5.5%، علماً بأن هذا النمو لم يتجاوز 3% في العام الماضي. لكن في النهاية عجلة ثاني أكبر اقتصاد في العالم ستبقى دائرة في الفترة المقبلة، إلى أن تقترب ما أمكن من المحددات الخاصة بالنمو، مع ضرورة الإشارة مرة أخرى إلى أن الأثر الذي تركته الإجراءات الصحية المشددة كان قوياً في الأسابيع الماضية. وإذا لم تحقق بكين هدفها المعلن في النمو، فإنها ستسجل نمواً بحدود 4.9% في الفترة المقبلة، وفق كل المؤشرات. وفي الوقت الذي تتوافق فيه المؤشرات على انتعاش الطلب على النفط في العام الحالي، لا بد من الإشارة هنا إلى تأثر الإمدادات سلباً من الجهة الروسية. لماذا؟ لأن البلدان الغربية المستهلكة للنفط وضعت سقفاً سعرياً محدداً على نفط روسيا، لأسباب تتعلق بسلسلة العقوبات التي تفرضها على موسكو في أعقاب نشوب الحرب الدائرة حالياً في أوكرانيا. فكل المستوردين للنفط الروسي انصاعوا في الواقع للقرار الغربي خوفاً من عقوبات قد تفرض عليهم. نقص الإمدادات، سيؤدي وفق خبراء أسواق الطاقة عموماً إلى ارتفاعات لأسعار النفط في المرحلة المقبلة. وهذا أمر طبيعي، خصوصاً إذا ما ارتفع الطلب الصيني حقاً في المديين القصير والمتوسط، الذي يقدر بحوالي نصف نمو الطلب العالمي ككل. ووفق مؤشرات وكالة الطاقة الدولية، فإن إنتاج البترول حول العالم سيرتفع في العام الحالي بمعدل 12.77 مليون برميل يومياً، مرتفعاً من 11.19 مليون برميل. وهو معدل يتماشى عملياً مع توقعات بعودة الحراك مجدداً إلى الاقتصاد العالمي الذي شهد نمواً متواضعاً جداً العام الماضي، في حين تعرضت بلدان عديدة لتباطؤ في اقتصاداتها، ولا تزال أخرى مهددة بالانزلاق في دائرة الركود.
مشاركة :