يشكل المؤتمر الوزاري الثالث عشر لمنظمة التجارة العالمية الذي ينعقد في أبوظبي هذا الشهر، منطلقاً جديداً آخر، لشكل العلاقات التجارية حول العالم. فالتجارة تواجه منذ سنوات مصاعب جمة لأسباب متنوعة، منها الحمائية، والتجاذبات السياسية، والصراعات الجيوسياسية، ما أدى إلى اضطرابات جمة في سلاسل التوريد لفترة لم تكن قصيرة، وإلى ارتفاع أسعار السلع بصورة غير طبيعية، بل ونقصها. وفي السنوات الأخيرة من العقد الماضي، نشبت ما يمكن وصفها بـ «المعارك التجارية» حتى بين دول متحالفة مع بعضها أصلاً. ناهيك طبعاً عن التضارب في التشريعات، بين هذا البلد وذاك. أي أن المشهد التجاري العالمي يحتاج بالفعل لمستخرجات حقيقية من مؤتمر أبوظبي الدولي للتجارة. وتكمن أهمية «مؤتمر أبوظبي» أيضاً في أنه أكبر حوار عالمي للمفاوضات التجارية التي ينبغي دائماً أن تكون حاضرة على الطاولة، لسبب أساسي واحد، وهو يكمن في المتغيرات المفاجئة أو السريعة التي تحدث بين الحين والآخر. ومن هنا، تمثل هذه التجمعات المهمة أساساً لإعادة تشكيل النظام التجاري العالمي متعدد الأطراف، بحيث يشمل كل القضايا المطروحة، وتلك التي قد تظهر بفعل التحديات عموماً. بالطبع لا يمكن تحقيق أي خطوة على صعيد بناء نظام تجاري جديد يلائم المصالح ومعها التحولات المتسارعة، قبل تكريس الجهود الراهنة لاستكمال إصلاح منظمة التجارة العالمية. وهذا الأمر طبيعي تمر به المنظمات بين الحين والآخر. فالمسائل المطروحة بعيداً عن عملية الإصلاح ليست سهلة، وبعضها معقد بالفعل، وتشمل كل شيء تقريباً، من مصائد السمك، والحماية الفكرية، إلى التجارة والبيئة، مروراً بسلاسل التوريد واستدامتها، والوصول العادل للأسواق العالمية، وغير ذلك. ولأن «المؤتمر الوزاري» هو بمثابة الهيئة العليا لصنع القرار في منظمة التجارة، ينظره العالم إليه باهتمام شديد، خصوصاً أن الجهات المعنية من حكومات واتحادات جمركية وغيرها، أسهمت فعلاً في وضع المحاور الرئيسة له. باختصار، ستكون هناك توجهات جديدة مبينة على أسس واقعية وقوية، لتحقيق الهدف الرئيس، وهو تنشيط حركة التجارة، وضمان آثارها الإيجابية على جميع البلدان من كل النواحي، وعلى رأسها النمو ومعه التنمية. ليس هناك مجال آخر أمام جميع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، سوى التفاهم ومواجهة التحديات التي لا تنتهي. فـ «مؤتمر أبوظبي» هذا الشهر، سيعزز نقطة مهمة، وهي مستقبل هذا الكيان «المنظمة»، على أساس أنه الهيئة الأكثر موثوقية على الساحة الدولية. ومن هنا، ينظر العالم باهتمام بالغ إلى نتائج هذا المؤتمر، الذي سيخرج بمجموعة من اتفاقات وقرارات تحمي الحراك التجاري العالمي، وتبعده قدر الإمكان عن الصراعات المختلفة، ولا سيما بعد مرحلة إعداد متكاملة له على مدى أكثر من عام.
مشاركة :