جاءت الدراسة التي قدمها البروفيسور حسين عسكري من جامعة جورج واشنطن لتؤكد مقولة الإمام محمد عبده عندما زار أوربا قبل نحو قرن من الزمن عندما سُئل عن رأيه فيما لاحظه عند إقامته في أوربا فقال عبارته المشهورة « وجدت في أوربا إسلاماً ولم أجد مسلمين وفي بلاد المسلمين مسلمين ولم أجد إسلاماً « وجاءت دراسة البروفيسور حسين التي قام بها فبينت أن أكثر الدول تطبيقاً للمبادئ والأخلاق الإسلامية ليست من الدول الإسلامية للأسف الشديد فقد احتلت المراكز الأولى في التعامل الإسلامي نيوزلندا يليها لوكسمبورج وايرلندا وإيسلندا وفنلندا والدنمارك وكندا ، وفي المركز 38 جاءت ماليزيا وفي المركز 48 الكويت، والبحرين في المركز 64 ،وبلادنا احتلت المركز 131 ، فما الذي جعل الدول التي لا تدين بدين الإسلام تطبق المبادئ الإسلامية في تعاملاتها والدول التي تدين بالإسلام تبتعد عن هذا النهج القويم . لقد قال الرسول الأمين عليه أفضل الصلاة والتسليم ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) ومكارم الأخلاق تعني الصدق والأمانة وعدم أكل أموال الناس واحترام الوقت والعمل الجماعي ، وقوله عليه الصلاة والسلام « إن العبد ليبلغ درجة الصائم القائم بحسن الخلق « ..وحسن الخلق هو التقوى وكف الأذى وطلاقة الوجه وأن يحب لأخيه المسلم ما يحبه لنفسه ، هذه الصفات لا نجدها عند كثير من المسلمين وإن وجدت فهي نادرة فالتعاملات الإسلامية لا يكون فيها الكذب وأكل أموال الناس والغش وتلقي الركبان والرشوة وشهادة الزور ومع ذلك فهي موجودة في التعاملات والمعاملات مع أن الدول التي احتلت المراكز المتقدمة تمسكت بالصدق والأمانة وعدم الغش وعدم أكل أموال الناس في معاملاتها ، وأجمل ما في التقرير أن من احتلوا المراكز المتقدمة هم من الدول التي علاقاتها ليست كبيرة مع الدول الإسلامية. يقول الحق سبحانه ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) وقد اكتسبت الأمة هذه الصفة لأنها علَّمت أبناءها التسامح والرحمة والعدل والرأفة والإحسان وغيرها من الخصائص المفضلة أما اليوم فهناك أزمة أخلاق مع أن الأخلاق الحسنة هي أعظم ما تعتز به الأمم وتعكس ثقافتها وحضارتها وبقدر ما تعلو وتلفت الأنظار لها تجبر أعداءها على احترامها،فكم سادت أمة ولو كانت كافرة وعلت بتمسكها بمحاسن الأخلاق وكم ذُلت أمة ولو كانت مسلمة وضاعت وقهرت لتضييعها لتلك الأخلاق فانقلبت الموازين فقد حذرنا عليه أفضل الصلاة والسلام فقال (سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ ؟ قَالَ : الرَّجُلُ التَّافِهُ يَنْطِقُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ ) والملاحظ أن الأمة تعاني من ضعف الجانب الأخلاقي فلا تأمر بالمعروف ولا تنهى عن المنكر فتصدِّق الكاذب وتؤمِّن الخائن وينطق التافه في أمورها العامة، فاحتلوا بذلك ذيل القائمة في التعاملات الإسلامية، فهل السبب في التربية والتعليم أم في أمور لا يعلمها إلا الله وأختم هذه السطور ببيتين لأمير الشعراء أحمد شوقي «إنما الأمم الأخلاق ما بقيت .. فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا» وقال أيضاً .. وإذا أصيب القوم في أخلاقهم .. فأقم عليهم مأتماً وعويلا» assas.ibrahim@yahoo.com
مشاركة :