تختلف الظروف والمعطيات باختلاف العصور والمتغيرات، وبناء على ذلك تختلف مهمة الفرد في إعمار الأرض، فلم يعد المزارع يستخدم الفأس في الفلاحة، ولا التاجر يستخدم القافلة لنقل بضاعته، ولم يعد الإعلام بالمنادي كما كان قبل ظهور الراديو والجريدة اليومية حتى أنه تجاوز كل ماكان يمكن أن يخطر على بال وأصبح الخبر في التو واللحظة ينتشر على مساحة الكرة الأرضية، تغير كل شيء وتطور، وتبدل فكر الإنسان ووعيه واهتماماته، وتغيرت وسائل الدعوة وأساليبها، لكن الخطاب الدعوي ظل بعيداً عن كل هذا، بل متمترساً في إطلاق الفتاوى والخطب التي تحذر من مستجدات العصر بينما الواقع المشحون بالعنف والإرهاب والنفوس المريضة بالحقد والكراهية والعقول المغيبة بحاجة ليس فقط إلى تغيير الخطاب الدعوي بل إلى توحد أهداف الدعاة لمحاربة الفكر الضال والعنصرية والطائفية التي أنهكت مجتمعاتنا العربية. لذلك دعا صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان أمير منطقة المدينة المنورة في كلمته التي ألقاها خلال استقباله رؤساء بعثات الحج الرسمية من الدول العربية والإسلامية الدعاة المسلمين في مختلف بقاع الأرض لإيضاح قيم التسامح والتآلف والتعايش السلمي، بعد أن ضجت الأرض بدماء الأبرياء، بعد أن أصبح الإسلام مقترناً بالإرهاب والعنف في الذهنية الغربية، بعد أن أصبحت جهود الدولة وعيونها الأمنية مكرسة لإحباط العمليات الإرهابية قبل أن تحصد أرواح الأبرياء، مضحية بخيرة رجالها لحماية الوطن من بشاعة الإرهاب. مسؤولية الدعاة توازي المسؤولية الأمنية، لأن الإرهاب نتيجة تضليل البسطاء وصغار السن وتحريضهم ضد مجتمعهم ووطنهم وضد الآخر الذي يعيش معهم على نفس الأرض وله نفس الحقوق وعليه نفس واجبات المواطنة من ولاء وانتماء، لذلك تأتي مهمة توضيح وشرح قيم التسامح والتعايش والتآلف من أخص واجبات الدعاة لأن كلمتهم مسموعة لدى الشعوب الإسلامية ذات العاطفة الجياشة لكل ماهو إسلامي، هذه العاطفة الفطرية استغلتها التنظيمات المختلفة من جماعة الإخوان مروراً بالتكفير والهجرة والقاعدة والنصرة وأخيراً ما تُسمى دولة العراق والشام أو داعش التي أعطت لجرائمها وهويتها توصيفاً إسلامياً أو ( إسلاموياً ) لاستدراج البسطاء والسذج وصغار السن وهم في مرحلة تشكُّل الوعي. ربما لا تستوقفنا جنسيات الإرهابيين لكنها استوقفت الأمير الذي أطلق دعوته لعلماء الأمة الإسلامية لمواجهة الفكر الضال والخطر الإرهابي بالقيم الاسلامية وهي : التسامح، التآلف، والتعايش السلمي، وهي القيم التي دعا إليها ديننا الحنيف، وكانت محط اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم عند تأسيس الدولة الإسلامية كما قال الأمير فيصل. عندما يقع حادث إرهابي في دول الغرب، نضع أيدينا على قلوبنا كما يقولون، خوفاً أن يكون الانتحاري أو الارهابي يحمل الهوية الإسلامية لأنه يسيء إلى ديننا الحنيف دين الرحمة ويصبح كل مسلم في نظرهم مشروع إرهابي محتمل، حادثة الدهس قام بها فرنسي من أصول تونسية وبالتأكيد مسلم لذلك كانت العبارة الأولى لرئيس الوزراء الفرنسي « الإرهاب الاسلامي « مع أن المجرم له سوابق إجرامية بعيدة عن الالتزام الديني لكنه السلوك المتطرف الذي يؤدي الى نتائج كارثية دائماً، والتشدد الديني يطلق عليه « تطرفٌ « كما يطلق التطرف على أي سلوك يخرج عن قاعدة المتزن والطبيعي في أي مجال وأي دين أو مذهب أو ملة. في 18 يوليو 2015م أعلنت الجهات الأمنية أنها تمكنت من الإطاحة بتنظيم ارهابي مكون من خلايا عنقودية مرتبط بتنظيم داعش الإرهابي يدار من المناطق المضطربة في الخارج وهي العراق وسوريا وليبيا التي تحولت إلى بؤر إرهابية وبيئة خصبة لإيران ومن ينتهج نهجها لبذر بذور الكراهية والحقد ضد بعض دول الخليج ،كان من جنسيات متعددة ( يمنية، مصرية، سورية، أردنية، جزائرية، نيجيرية، وتشادية) وهذا الارهابي الذي تمكنت منه قوات الأمن الثلاثاء الماضي يحمل الجنسية الباكستانية، أي أن الفكر الضال تحول إلى ورم خبيث يحتاج إلى توحيد الجهود وتوحد الأهداف كي يتم استئصاله واعلان انتهاء تكوين التنظيمات التكفيرية والإرهابية والإجرامية، فمسؤولية العلماء ودعاة الأمة الإسلامية القيام بمسؤوليتهم الدينية والوطنية تجاه دينهم الذي يدعون إليه ووطنهم الذي ينتمون له. وستبقى الدولة تقف بحزم ضد كل من يفكر بالعبث بأمن الوطن وأمن ضيوف الرحمن وراحتهم كما حذر الأمير خصوصاً في المواسم الدينية. nabilamahjoob@yahoo.com
مشاركة :