غالباً ما تنتاب الشعوب حالتان متناقضتان، عندما تتعرض إلى مصيبة أو كارثة، الحالة الأولى هي الغضب والتذمر، والحالة الثانية هي مواجهة الواقع بالنكتة والسخرية والفن، والثانية هي من الوسائل التي تحمي أو تخفف استجابة الجهاز العصبي، أي تخفف وطأة المعاناة. في عشية رفع أسعار البنزين، كنت في ديوانية بعض روادها من الظرفاء، علق أحدهم على القرار: بأنه سيسبب ارتفاعاً في أسعار الخمور والمخدرات المهربة، وسيعاني المدمنون عليها وقد يدفعهم لارتكاب أفعال متطرفة، إذ سيلجؤون للسرقة أو الاستدانة أو إلى أفعال منافية للأخلاق، كي يتحصلوا على المبالغ اللازمة. وقال ظريف آخر: إن والد البنات سيعاني أكثر، عندما ترتفع أسعار الملابس أو الصالونات النسائية، وقد يعزف الشباب عن الزواج، وقال آخر: ماذا عن أسعار المقاهي، التي سترفع سعر الشيشة والقهوة والشاي، ورد رابع: الحمدلله أن أبنائي وبناتي في مدارس حكومية. ورد أحد الرواد: اطمئنوا فوزارة الداخلية تراقب الارتفاع المصطنع للأسعار، ولكن الظرفاء لم يقتنعوا وذكّروا هذا الرجل أنه عندما زادت الحكومة أسعار الكيروسين، رفع أصحاب المخابز سعر الخبز، فوقف الناس في طوابير لشراء أكبر كمية منه. وعلق أحدهم أن الطوابير المهولة في محطات البنزين، التي تذكرنا بأيام الغزو، ليست تعبيراً عن ثقافة الشعب غير الواقعية، ولكنها تعبير عن قلقهم، حتى وإن كان القلق افتراضياً أو على أمور غير واقعية، ففي أيام الغزو كان هناك غموض، حول وفرة الغذاء والماء والبنزين والخبز، وهذا ما دفع الناس إلى المبالغة في تخزين هذه المواد، فمن وقف في هذه الطوابير ليس الأغنياء، بل البسطاء وذوي الدخول المحدودة والوافدين، «الحبربش» كما قال أحدهم. وقد لا تكون هذه الدردشة الطريفة بعيدة عن الصحة، فحسب جريدة «الراي» يوم أمس الجمعة الثاني من سبتمبر، فإن أصحاب سيارات الأجرة، قد رفعوا أسعارهم بعيداً عن رقابة «الداخلية» أو «التجارة»، كما تنوي مطاعم «الفاست فود»، زيادة أسعار الوجبات والتوصيل، والحبل على الجرار. إن رفع سعر سلعة أو خدمة أساسية، سيترتب عليه ارتفاع منطقي أو مصطنع لبقية السلع، وسيزيد من نسبة التضخم ومن المعاناة المعيشية وغيرها، لكن الأكيد سيرفع نسبة الغضب والتذمر الشعبي بشكل تراكمي أيضاً، والكارثة الحقيقية عندما تطبق سياسة الخصخصة. osbohatw@gmail.com
مشاركة :