* أين الرحمة فيما نراه من ابتلاءات وما نعيشه من شرور وحروب ومجاعات ومظالم؟! الرحمة الإلهية مفهوم مركزي في ديننا، وليس عبثاً أن تبدأ سور القرآن بوصفين مشتقين منها (الرحمن الرحيم).. ورحمة الله سبقت غضبه تعالى. أما الشرور فتسميتها كذلك، والنظر إليها كذلك من صفة الإنسان، فهو الذي يصنف الأمور تبعاً لانتفاعه منها، أو عودتها عليه بالفائدة إلى خير أو شر، أما صفة الله فيها، أما هي في نفسها فلا توصف إلا بالحكمة، التي هي وضع الشيء في موضعه، أي ترتيب الأمور بحيث تكون للشخص المناسب في المكان المناسب وفي الزمان المناسب.. ومآل هذا الترتيب الإلهي الحكيم لن يكون سوى: رحمة تلحق الشخص في حياته الدنيوية أو الأخروية. وأما الابتلاءات وهي مما يعده الناس من الشرور لكنها تلمسهم شخصياً، فإن هذه الابتلاءات تحتاج إلى: قليل من الصبر، نعم ليس سوى القليل منه مما يستطيعه كل أحد، الصبر على المكروه وحبس النفس عن الشكوى والضجر. ثم مع القليل من الصبر نحتاج إلى: قليل من الرضا بفعل الله، والإيمان بحكمته التي ستؤول إلى رحمة وإن لم ندرك ذلك الآن؛ ليكون الصبر (صبراً جميلاً)، أي صبر يصحبه رضا عن الله وفعله فينا. فالمعادلة الإيمانية كالآتي: قليل من الصبر + قليل من الرضا (وقبول الله بالقليل منهما: رحمة) = صبر جميل = رحمة عاجلة أو آجلة. * فكيف نحصل هذا القليل من الصبر والرضا في مواقفنا الحياتية؟! إن أردت أن تتعامل مع الأمر تعاملاً إيمانياً فليس ثمة إجابة سوى: القليل من الاستعانة بالله وصدق التوجه إليه ليمن عليك بهما. وإن أردت إجابة مادية فاسمع: اعلم أنه لا يوجد بلاء إلا واختلفت نظرات الناس إليه، بحسب القرب من البلاء أو البعد عنه، فالواقع في البلاء لا يضخمه كالخارج عنه، أو لنقل: إننا قبل لحوق البلاء بنا نتصوره الهول نفسه، لكننا إذا كنا فيه لم نجده كما نتصور، وإن كان في الأمر صعوبة لا شك وانتقال من العافية إلى البلاء لا شك، وكذا يصور وهْم العقل لصاحبه كل الأمور فيضخم البعيد عنه وينظر إليه بمرآة مقعرة. أما صاحب البلاء نفسه، فإن الرحمة لا تفارقه في بلائه، فيرى في كل لمحة جميل فعل الله به ولطفه بضعفه، حتى إنه إن حَصَّل بعض الرضا والصبر يتعجب من فاجعة الناس عليه وإشفاقهم به، فقلبه مطمئن وقلوب من حوله وجلة مضطربة؛ لأن وهمها يضخم لها الأمر، كما قلنا. أما صاحب البلاء فإنه يكون في أشد ساعات ضعفه وافتقاره فيقع في يد الله؛ ليتصرف هو بدلاً عنه وليثبته في بلائه، لينال الثواب مع اطمئنان القلب. أما صاحب البلاء، فإنه يرى بعين قلبه كيف تمتزج الرحمة بالبلاء والعسر باليسر والشدة بالفرج؛ ليخرج وقد رأى ما لا يمكن أن يراه إلا بعد خوض تلك التجربة، لذا كان من معاني البلاء الفتنة، أي التخلص من الشوائب حين تقول: فتنت الذهب، أي خلصته من شوائبه ليظهر المعدن النفيس. فالعبد يحصل من البلاء من المنافع ما لا يحصله بالعافية، وإلا كيف يفهم أسماء الله الحسنى كالغني والقهار والرؤوف والجواد والجبار.. وغيرها مما يمر على قلب صاحب البلاء إن رأى الله في بلائه، وصدق سيدي ابن عطاء الله السكندري حين قال: (من ظن انفكاك لطف الله عن قدره، فذلك لقصور نظره)! ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :