الصِّدق عَلَامة مِن عَلَامَات استقَامة الإنسَان، وعلوّ أخلَاقه، وسموّ نَفسه، ولذَلك قَبّحت الأديَان والأمثَال الكَذِب، وفي المُقابِل مَدَحَت الصِّدق، ورَفعت مِن شَأنه، وأكَّدت أنَّه مِن صِفَات الأنبيَاء والنُّبلاء والكُبرَاء..! ولَكن دَعونا نَتنَاول الصِّدق مِن زَاوية دَلَالَاته وإشَارَاته، وتَماشيه مَع الفِطْرَة، وأوّل مَا يُصافحنا في عَالَم الصّدق؛ هو الحَقيقة المَوجودة عَلَى الأرض، أمَّا الكَذِب فهو اخترَاع مِن الخيَال، وصنَاعة مُزوّرة لِمَا حَدَث عَلى أرض الوَاقِع، كَما يُشير لذَلك الفيلسوف "جورج براك"..! لقَد قَالت لِي أُمِّي -قمّصها الله لبَاس العَافية-: (يَا أحمد تأكَّد أنَّ الصِّدق يُحرِّرك مِن "اللّف والدّوران")، ومَا أعظَم هَذا التَّحرير، لأنَّ اللّف والدّوران مِن صِفَات الثَّعالِب؛ والعَقارِب والثَّعابين، ولَيس مِن صفَات النّفوس السّويّة..! والصِّدق مَمدوح في كُلِّ الأحوَال -كَما يَقول العُلمَاء- إلَّا في مَدح الذَّات، فهو غَير مَقبول، ولا يَعني ذَلك أنَّ الإنسَان يَكذب ويُشوّه ذَاته، بَل المَقصود أن يَتجنّب الحَديث عَن الذَّات، حتَّى لَو كَان صَادِقاً..! ومِن أغرَب الحَالَات في فَضيلة الصِّدق؛ أنَّنا دَائماً نَميل إلَى تَصديق كُلّ مَا يُقال عَن الآخرين، مَا دَام الذي يُقال ذَمًّا لَهم، وانتقَاصَاً مِنهم، فتَميل النَّفس إلَى تَصديق هَذا، لأنَّه يُخفِّف مِن مُحاسبتنا لذَواتِنا، ويُشعرنا بأنَّنا-كُلّنا- مَجموعون في قَول: "سيّئون"..! ومِن غَرائب الصِّدق -أيضًا- أنَّ النَّاس تُصدِّق مَا يُقال لَها في الهَمس، لأنَّ الهَمس والتَّخفِّي يُكسب الكَلام مصدَاقيّة، ويَجعل النّفوس تَتقبّله بسُرعَة وتُصدِّقه..! ومِن غَرائِب الصِّدق -أيضًا- أنَّنا نُصدِّق كُلّ إشَاعة نُحبّها، ونَطمح إلَى أنْ تَكون صَحيحة، وهَذا أمرٌ مُرتَبط بالنّفس، وتَمنياتها، ورَغبَاتها، ولا عَلاقة لَه -لَا مِن قَريب، ولَا مِن بَعيد- بصِدق الكَلام أو كذبه..! حَسناً.. مَاذا بَقي؟! بَقي القَول: لقَد صَدَق سَلفنا الصَّالِح حِين قَال: "الصِّدق منجَاة، والكَذِب مهوَاة"، ومِن قَبل ذَلك صَدَق الشَّاعِر حِين قَال: الصِّدْق فِي أَقْوَالِنَا أَقْوَى لَنَا وَالكذب فِي أَفْعَالِنَا أَفْعَى لَنَا ومِن قَبل ذَلك ومِن بَعده، عَلينا التَّمسُّك بالحَديث النَّبوي القَائِل: (لا يَزَالُ الْعَبْدُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَب عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى صِدِّيقًا، وَلا يَزَالُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا)..!!! تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (20) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :