قالت جريدةُ «الشرق الأوسط» إنَّ جنازةَ رئيسِ الكيانِ الإسرائيليِّ المحتلِّ صبَّت الزيتَ علَى نارِ الخلافاتِ الفلسطينيَّة، حيثُ اندلعَت الاتِّهاماتُ بالخيانةِ بينَ الفصائلِ؛ لدرجةِ أنَّ بعضَ قياداتِ «حركةِ فتح» تبرَّأتْ مِن مشاركةِ «عباس» في الجنازةِ. وفِي مصرَ اضطرَ المتحدِّثُ الرسميُّ باسمِ الخارجيَّةِ السفيرُ أحمد أبوزيد للخروجِ علَى الفضائيَّاتِ لينفِي أنَّ الوزيرَ سامح شكرى قدْ بكَى أثناءَ المراسمِ، مؤكِّدًا أنَّ الصورةَ التِي تظهرُ شكرِي باكيًا، أو ملتاعًا، ويبدُو عليهِ الحزنُ والأسَى الشديدانِ علَى فَقْدِ بيريز «هِي صورٌ غيرُ حقيقيَّةٍ، بلْ ومفبركَة، ولا تعكسُ الحقيقةَ»! ومضَى أبو زيد قائلاً: إنَّ نشرَ هذِهِ الصورةِ تؤكِّدُ «وجودَ مَن يحاولُونَ الصيدَ فِي الماءِ العكرِ»، مؤكِّدًا أوْ مستدركًا القولَ بأنَّ مِن حقِّ الشعبِ المصريِّ أنْ يستفسرَ فِي هذَا الشأنِ -شأنِ المشاركةِ فِي جنازةِ بيريز- وفِي أبعادِهِ! والحقُّ عندِي أنَّ الخبرَينِ أو الحدثَينِ -التبرُّؤ مِن طرفِ جانبٍ فلسطينيٍّ، ونفِي البكاءِ من الطرفِ المصريِّ، إنَّمَا يعكسَانِ وحدةَ الشعوبِ العربيَّةِ كلِّهَا، وليسَ الفلسطينيّ والمصريّ فقطْ تجاهَ أيِّ محاولةٍ للتطبيعِ، أو تمييعِ القضيَّةِ ما بقِيَ الاحتلالُ الإسرائيليُّ. إنَّ نفيَ بكاءِ الوزيرِ علَى لسانِ المتحدِّثِ الرسميِّ، فضلاً عنْ نَفي الشعورِ بالأسَى -كمَا ظهرَ فِي الصورةِ- إنَّمَا يعنِي أنَّ الوزيرَ لمْ يدمعْ، أوْ حتَّى لم يحزنْ! كمَا أنَّ القولَ بوجودِ «مَن يحاولُونَ الصيدَ فِي الماءِ العكرِ» إنَّمَا يعنِي أنَّ الطَّرفَينِ المُراد التعكيرُ بينَهمَا هُما مقامُ الخارجيَّةِ، والسياسة المصريَّة مِن جهةٍ، وجموعُ الشعبِ الغاضبِ من جهةٍ أخْرَى. بلْ إنَّ تأكيدَ المتحدِّثِ علَى حقِّ الشعبِ فِي الاستفسارِ، إنَّمَا يعنِي أنَّ الأمرَ لمْ يكنْ طبيعيًّا علَى أقلِّ تقديرٍ، أوْ وصفٍ! لقدْ خاضَت القنواتُ الفضائيَّةُ المصريَّةُ في القضيَّةِ، فراحتْ تسألُ: هلْ بكَى الوزيرُ، أمْ اشتكَى، أمْ أظهرَ الأسَى، أمْ أخرجَ المكنونَ في الحشَا؟!، ومِن مذيعٍ صارخٍ بشكلٍ كوميديٍّ، مؤكِّدًا أنَّهَا الشمسُ التِي جعلتْ وجهَ الوزيرِ يبدُو حزينًا، إلى آخرَ يبرِّئ الشمسَ، إلَى ثالثٍ يُؤكِّدُ متفاخرًا، أوْ مشيدًا: «إنَّ البكاءَ بيعذِّب الميِّت، وهذَا هُو المقصُود!» مضَى الأمرُ علَى نحوٍ يؤكِّدُ الرفضَ القاطعَ، ليسَ فقطْ للمشاركةِ فِي الجنازةِ، وإنَّمَا للتطبيعِ، طالَمَا بقِي الأقصَى أسيرًا، والقدسُ محتلَّةً. لقدْ نامَ النَّاسُ علَى حديثِ الشمسِ، فيمَا كانتْ مصرُ تؤكِّدُ -بصوتٍ مرتفعٍ وليسَ بهمسٍ- أنَّهَا ستظلُّ درعًا للعروبةِ والإسلامِ، وأنَّ شعارَ «القدس عربيَّة» سيظلُّ دليلَ حبِّهَا ونورِهَا في الظلامِ. في لحظةٍ عربيَّةٍ طارئةٍ نسِيَ المصريُّونَ مشكلاتِ الأسعارِ، والضريبةِ المضافةِ، وأزمةِ الدولارِ، وقضُوا ليلَهُم فِي الاستفسارِ عنْ مدَى تورُّطِ الشَّمسِ فِي تغييرِ وجهِ مصرَ! sherif.kandil@al-madina.com
مشاركة :