معركة الموصل باتت شأنا داخليا أميركيا يطرح في سياق ما يهمّ المواطن الأميركي. مع ذلك، رددت كلينتون ما يحب حيدر العبادي والطغمة السياسية التي تحيط به سماعه إذ أن العملية تجري بقيادة عراقية. العربسلام السعدي [نُشرفي2016/10/23، العدد: 10433، ص(6)] قبل نحو قرن من اليوم، وتحديدا في العام 1918، انتزع المنتصرون في الحرب العالمية الأولى معظم أراضي مدينة الموصل من الدولة العثمانية. وبعد ذلك التاريخ ببضعة أعوام، فقدت تركيا المدينة بصورة نهائية إثر توقيع اتفاق لوزان 1923 ومن ثم اتفاق أنقرة 1926 والذي ثبّت تبعية الموصل للعراق، وضمن في ذات الوقت حق تركيا في التدخل العسكري في المدينة لحماية الأقلية التركمانية. ذلك “الحق” التاريخي المزدوج، أي التبعية التاريخية للمدينة من جهة وحق التدخل المنصوص عليه بالاتفاق الدولي، هو ما تستند إليه تركيا في تبرير رغبتها المعلنة المشاركة في عملية الموصل، بل ومشاركتها الفعلية عبر المقاتلين العراقيين والأكراد الذين قامت بتدريبهم. وقد ظهر ذلك بوضوح في العديد من خطابات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ تصاعد التوتر بشأن هذه القضية إذ تحدث مراراً عن الماضي العثماني وعن “إخوتنا” في شمال العراق قاصدا التركمان. على الأرجح، يدرك رجب طيب أردوغان استحالة استعادة ما خسرته الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الثانية. سيكون التفكير بإمكانية حدوث ذلك من قبيل الجنون، سواء بسبب توازن القوى الحالي وموقع تركيا “المتواضع″ على الساحة الدولية والإقليمية، أو بسبب التغيرات التي طرأت على سكان شمال العراق وعلى الدول المجاورة بصورة عامة. على صعيد الخطاب، تبدو استعادة التاريخ كجزء من آلية التعبئة الجماهيرية التي يتّبعها حزب العدالة والتنمية. كما تبدو الإحالة على التاريخ العثماني أساسية في تكوين خطاب الحزب الذي يمكن تحديده كخطاب إسلامي- قومي. الخطاب الواقعي، السياسي، لرجب طيب أردوغان ينطلق من حقيقة الفشل الذريع للحكومة العراقية في أن تكون ممثلا سياسيا لجميع العراقيين. بل ينطلق من تحولها، بعد هيمنة إيران وتشكيل قوات الحشد الشعبي، لتشكل التهديد الأول، حتى قبل داعش، لمكوّن عريض من مكونات الشعب العراقي. بكل واقعية، يمكن أن تجادل تركيا بأن الآثار التي تكبدتها بسبب الحرب العراقية والسورية شديدة الخطر والتكلفة إلى درجة لا يمكن أن تحافظ معها على سلبيتها. تعيش تركيا أزمة لاجئين غير مسبوقة في تاريخها باستضافة مليوني لاجئ سوري، وهي مهددة اليوم بسبب هيمنة إيران والحشد الشعبي على الحكومة العراقية بأن تستقبل مليونا ونصف مليون نازح من مدينة الموصل. رئيس الوزراء العراقي يصر بدوره على أن أيّ مشاركة تركية في العمليات العسكرية سوف تفاقم من سوء المشهد العراقي، ويعتبرها تدخلاً خارجياً سافراً يشكل انتهاكاً للسيادة العراقية. ربما لا يوجد ما يمكن أن يثير السخرية بصورة أكبر من الحديث عن السيادة العراقية، وتفاخر العبادي بأن معركة الموصل جرت وتجري بقيادة عراقية. منذ الاحتلال الأميركي في العام 2003، فقدت الدولة العراقية سيادتها. لم تبحث الحكومات العراقية المتعاقبة عن السيادة لأنها أدركت مدى هشاشة حكمها المسنود برعاية القوى الدولية والإقليمية. والحال أن تلك الرعاية مستمرة إلى اليوم وإن بأشكال ودرجات مختلفة. إذ بدأ التحضير للحملة العسكرية على مدينة الموصل منذ نحو عام. وقد شمل ذلك تدخلا مستمرا من قبل أميركا تركيا وإيران وكردستان العراق ودول وأطراف عديدة أخرى. ففي المناظرة الثالثة والأخيرة لانتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة، تفاخرت المرشحة هيلاري كلينتون بانطلاق معركة تحرير الموصل وبدور أميركا في تدريب وتسليح الجيش العراقي، فضلا عن إرسال قوات خاصة ومستشارين للمشاركة في العملية وتأمين تغطية جوية من سلاح الطيران الأقوى، من دون منازع، على صعيد العالم. باتت معركة الموصل شأنا داخليا أميركيا يطرح في سياق ما يهم المواطن الأميركي. مع ذلك، رددت كلينتون ما يحب حيدر العبادي والطغمة السياسية التي تحيط به سماعه إذ أن العملية تجري “بقيادة عراقية”. قد تكون القوات التي يجري زجها في هذا القتال عراقية بالكامل ولكنّ أمراً واحداً يمكن تأكيده في هذا المجال وهو أن القيادة ليست عراقية. حتى وإن سلمنا بأن القيادة العراقية تحظى بالدور الأكبر بحكم سيطرتها على الجيش وقوات مكافحة الإرهاب والحشد الشعبي، وجميعها تشكل أكبر قوة مقاتلين في العراق، فإن ذلك يتجاهل التغلغل الإيراني في تلك القيادة إلى درجة جعلتها تفقد أيّ معنى لتوصيفها بالعراقية. تعززت الهيمنة الإيرانية على القيادة العراقية مع الانسحاب الأميركي من العراق، ومن ثم مع الاندفاع الروسي للمنطقة والذي أتاح لإيران حليفا قويا على المسرح الدولي والمحلي. وأخيرا، وفّرت موجة الإرهاب الجهادي والتنظيمات السلفية الجهادية التي اجتاحت سوريا والعراق الفرصة التاريخية الأنسب لإيران للقيام بهجوم شامل في العراق وسوريا يهدف إلى إحداث تغيير ديموغرافي عبر عمليات عسكرية شديدة العنف. وبهذا المعنى، ترى إيران وحلفاؤها الطائفيون أن أيّ مشاركة تركية أو سعودية يمكن أن تساعد في إيجاد ممثل متوازن ومتماسك للمكون السني في العراق. وهنا مكمن الخطر، إذ يعتبر إيجاد بديل عن الجهادية العدمية، التي يراد لها أن تكون الممثل الوحيد للمكون السني في العراق، الخطر الأكبر الذي يهدد الهيمنة الإيرانية الشاملة على العراق. كاتب فلسطيني سوري سلام السعدي :: مقالات أخرى لـ سلام السعدي الهيمنة الإيرانية تمر عبر الموصل, 2016/10/23 الانتخابات الأميركية: هل تأخر إقصاء ترامب, 2016/10/15 سوريا: انعطافة تركيا نحو اقتناص الممكن , 2016/10/08 الواقعية الروسية في حلب.. وحشية بلا حدود, 2016/10/01 انعدام الحساسية تجاه أهوال الحرب السورية, 2016/09/24 أرشيف الكاتب
مشاركة :