أكتب ظهر الأحد متوقعاً أن يتم اليوم الإثنين (إذا لم يكن تم مساء أمس) صدور نتائج تحقيق هيئة مكافحة الفساد في قضية تعيين ابن وزير في وزارة أخرى براتب عال، وإذا كشفت النتائج عن استغلال نفوذ أو منصب فأتوقع أن تتم إقالة الوزير المعني، وربما وزير الوزارة الأخرى التي تم التعيين فيها، لأنه في هذه الحال شريك في القضية إذا تم التوظيف من طريقه، وإذا لم يكن يعلم فهذا يعني ضعف إدارته وزارته التي «تختطف» فيها وظيفة لمصلحة ابن مسؤول حكومي. كتبت السبت الماضي عن الخلل الإداري والمأزق التنظيمي اللذين يتيحان تسرب الوثائق والمعلومات في الأجهزة الحكومية، وقامت إحدى الصحف الالكترونية مشكورة بنشر المقالة على شكل خبر صحافي كان عنوانه مثيراً ويوحي بأنني أدافع عن ابن الوزير، وبالطبع وكما هو متوقع ومفهوم ثار المعلقون عليّ متهمين إيّاي بمجاملة الوزير، وبأن لي مصلحة معه، أو محاولة تقرب منه، وعرفت السبب بأن الغالبية قرأت العنوان ولم تقرأ المقالة، ثم اكتشفت أن التعليقات في أغلبها تنفيس غضب، وهذا أيضاً مفهوم كون القضية جارحة لسمعة النزاهة. بالطبع لا أجامل الوزير ولا أعرف ابنه، وأطالب اليوم بإقالته إذا ثبت رسمياً تعديه على المصلحة العامة، لأني أعتبر تعيين ابنه تعدياً، لكنني عند رأيي ولا أحيد عنه بأن الحكومة تعاني مشكلة في ضبط التسرب في وثائقها وخطاباتها، وأن الأنظمة والقوانين التي تعاقب على ذلك إما ضعيفة، أو غير مفعلة، وأن نشر المعاملات، أو معلومات الأشخاص بطرق غير رسمية يعتبر عملاً غير نظامي ولا أخلاقياً حتى لو كان هدفه مبرراً، وهو في هذه الحال مكافحة الفساد. الألم الحقيقي وهو ما استشفيته من ردود فعل الناس، وأنا هنا أتحدث عن نحو 200 تعليق، هو أن هذه الوسيلة، وسيلة نشر الوثائق الخاصة، هي التي حققت النتيجة، والنتيجة هنا فضح الفساد – إذا ثبت أنها قضية فساد - ليس في قضية ابن الوزير وحدها لكن في الكثير من القضايا، وهنا مأزق حكومي آخر، فالناس لم تعد تثق بهيئة مكافحة الفساد، ولا بأنظمة الرقابة الأخرى، وهذا يعني أنهم سيلجأون دوماً الى التسريب، والى وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يمكننا لومهم، بقدر ما نلوم الحال التي أوصلتهم الى هذا. كانت تجربة مؤلمة أن أتعرض لتجريح غير مبرر، ولكني أيضاً تخيلت قدر الألم في نفوس الناس من وزير عمم عليهم تهمة غير صحيحة، وتخيلت حجم جروحهم من الفساد وانتشار الواسطة، والأهم البطالة بينهم. أيضاً هناك مشكلة تواصل بعض الوزراء مع الناس، فبعضهم لا يريد، وبعضهم لا يحسن ذلك، وإذا كانت متابعتي دقيقة فإن الوزارة الأخرى المعنية بالقضية لم يصدر عنها بيان رسمي! تساءل البعض: ما العمل؟ وتساءل آخرون: ما هو الحل؟ أو ماذا أريد؟ والجواب أننا جميعاً نريد هيبة للقانون والنظام والنزاهة تمنع من الأساس المسؤول من استغلال نفوذه، تردع الفاسد قبل أن يفكر في الفساد، ونريد الهيبة نفسها أن تمنع موظفي الحكومة من تسريب مستنداتها.
مشاركة :