برة وجوة \بقلم داود الفرحان \سفراء للباقلاء بالدهن الحر والبيض المقلي

  • 11/27/2016
  • 00:00
  • 47
  • 0
  • 0
news-picture

2016/11/24 وسط انشغالنا بترامب وهيلاري، وداعش الإرهابي والحشد الشعبي الإيراني، وحفتر والحوثي، والموصل وحلب، وصواريخ بوتين وقنابل كيم جونغ أون، واللاجئين والمهاجرين والهاربين والتائهين والغارقين في البحار والأنهار والغابات والجبال وتحت الأسلاك الشائكة، وسط كل ذلك نسينا أن الأمم المتحدة كرست العام الحالي عاماً للفاصوليا والباقلاء والعدس والبزاليا والحمص تحت تسمية «عام البقوليات». تُكثر الأمم المتحدة، غير المتحدة، من ظاهرة إعادة اكتشاف العجلة التي اكتشفها العراقيون لأول مرة في حدود الألف الرابع قبل الميلاد واستخدموها في العربات الملكية والاستعراضات العسكرية، وكانوا يجهلون المطاط فاستخدموا الخشب إلى أن جاء جون دنلوب في عام 1845م فَطَوَرها إلى العجلات الهوائية ثم تلاه في 1895م إدوار ميشلان صاحب الإعلان الشهير عن الرجل المنفوخ، وشاع استخدامها في عربات الركاب ونقل المحاصيل الزراعية ثم في الدراجات الهوائية. الآن تعيد الأمم المتحدة «اكتشاف العجلة» لتقول لسكان كوكب الأرض إن البقوليات أسهمت في بقاء وتطور الحضارة الإنسانية على مرّ العصور، وكانت من مستلزمات الحياة والحروب الأساسية، وعليها اعتمد آلاف الرجال في بناء حدائق بابل المعلقة وأهرامات مصر الخالدة. لولا الباقلاء، حيث موطنها الأصلي بابل المعروفة حالياً بمدينة الحِلّة مسقط رأسي نبوخذ نصر وحمورابي، لما استطاع البابليون إقامة برج بابل الشاهق في القرن السادس قبل الميلاد قبل برج خليفة في دبي وبرج سيرز في شيكاغو في الولايات المتحدة وبرج بتروناس في كوالالمبور بماليزيا. ولولا الفول لما تحمل المصريون القدماء مشقة رفع آلاف الصخور الضخمة لبناء الأهرامات قبل 2500 عام. كل قراصنة البحار القدماء وكل متسلقي الجبال الأوائل وكل مكتشفي القطبين الشمالي والجنوبي وكل اللصوص الذين سرقوا أراضي الهنود الحمر في أمريكا وكل مؤلفي المسلسلات التلفزيونية العربية، اعتمدوا على البقوليات، خاصة الفاصوليا، في البقاء أحياء في مغامراتهم ورحلاتهم واستكشافاتهم وطول صبرهم.. والصبر مفتاح الفرج. وحين جاء المستعمرون البريطانيون إلى العراق في أوائل القرن التاسع عشر دهشوا حين رأوا مرق الفاصوليا الجافة البيضاء يزين الموائد العامرة بلحوم الخراف والدجاج والأسماك في مضارب العشائر العراقية. وذكرت الباحثة البريطانية المس جيرترود بيل التي اشتهرت في العراق بلقب «الخاتون» أي «الهانم» في مذكراتها عن الفترة منذ بداية عملها مع المندوب السامي البريطاني في عام 1917م إلى وفاتها ودفنها في بغداد عام 1926م أنها لم تذق أطيب من ثريد (فَتّة) الباقلاء التي يطبخها العراقيون. وازداد إعجابها بهذا الاكتشاف حين عرفت أن حّبات الباقلاء هي الطبق الرئيس بين أطباق «المزّة» العراقية الشهيرة مع أنين أوتار وإيقاعات «الربابة والعود والسنطور والقانون والكمنجة» في جلسات طرب المقامات العراقية.. وأبوك الله يرحمه! في حرب العراق ضد إيران 1980-1988م كانت الفاصوليا والباقلاء زاد المحاربين العراقيين الذين لا يستغنون عنهما مثلما كانتا زاد العراقيين المدنيين في الحصار الشامل الذي عانى منه العراق في السنوات من 1990 إلى 2003م. لكن الباقلاء كانت إحدى ضحايا الاحتلال الأمريكي حين فجر انتحاري نفسه في «مطعم قدوري» المتخصص في ثريد الباقلاء بالدهن الحر والبيض المقلي على شارع أبي نواس الشهير في قلب بغداد صباح يوم خريفي في عام 2005، ليغتال أكثر من 35 شخصاً كانوا يتناولون فطورهم الصباحي المفضل. لسوء حظ الضحايا والباقلاء أن الانتحاري شاهد بعض سيارات الجنود الأمريكيين والشرطة العراقية تقف عند مدخل المطعم ففجر المكان بمن فيه فاستحقوا فعلاً لقب «شهداء الباقلاء». وأعود إلى ما بدأت به، لأقول إن الأمم المتحدة ومنظمتها المعروفة باسم «الفاو» وهي منظمة الأغذية والزراعة الدولية تهدف من تكريس العام الحالي للبقول إلى نشر الوعي الغذائي والبيئي بفوائد هذا المنتج الزراعي اللذيذ والرخيص والمفيد. ولم تكتف المنظمة بذلك فعينت سفيرة مصرية الجنسية للبقوليات وهي الشيف الإعلامية ماجي حبيب مع أربعة سفراء موزعين على القارات الخمس لترويج زراعة وتجارة هذه الأغذية. وربما نسمع في الأعوام المقبلة عن عام للحلويات سفيرها من سوريا أو لبنان وعام للقوزي وسفيره من دولة خليجية، وعام للسمك المسكوف وسفيره من العراق، وعام للإرهاب والكباب وسفيره، بلا منافس، قاسم سليماني. وكما قال الشاعر أبو العتاهية: إن خلص الفول.. أنا مش مسؤول.

مشاركة :