برة وجوة \بقلم داود الفرحان \ ياما بنيت قصر الأماني

  • 12/31/2016
  • 00:00
  • 28
  • 0
  • 0
news-picture

انتشرت في الأربعينيات والخمسينيات وحتى الستينيات من القرن الماضي ظاهرة إطلاق أسماء الفنانين الكبار والفنانات الجميلات على المواليد الجدد في العواصم العربية والمدن المتحضرة التي تتوافر فيها صالات سينما. في الأربعينيات مع انتشار الراديو شاعت في العراق أغنية تراثية موصلية عنوانها «دلال أوي دلال» ويَرِد فيها اسم «سعاد»، فوقع والدي - رحمه الله - في هوى هذا الاسم فأطلقه على شقيقتي الكبرى التي توفيت وهي طفلة. ويشاء الله، كما يقول يوسف وهبي، أن تُرزق العائلة بطفلة أصغر مني في وقت كان الموسيقار محمد عبد الوهاب يشدو فيه بأغنية رائعة عنوانها «ياما بنيت قصر الأماني» في فيلم «دموع الحب» يقول في مطلعها لحبيبته نوال بعد أن طواها الموت: «يا نوال فين عيونك.. أشتكيلك همّ قلبي وذلّ حالي». وكانت هذه أغنية والدي المفضلة في «اسطوانات بيضافون» يعيدها مرّات ومرّات بينما تذرف والدتي الدموع السخية وهي تتذكر وفاة «نوال» في الفيلم. وأصرّ والدي على إطلاق اسم «نوال» على شقيقتي الأصغر أطال الله عمرها. كان والدي في ساعات «السلطنة» مع الشاي والكعك يدندن بأي أغنية شائعة وخاصة العراقية، وكانت في بغداد في نهاية الأربعينيات مطربة سورية اسمها سهام رفقي اشتهرت بأغنية «يا أم العباية حلوة عباتك» وقد توفيت في عام 2007 في إسبانيا، حيث كانت تعيش مع ابنتها، وظهرت في بعض الأفلام المصرية مثل «عودة الغائب» مع محمود المليجي وماري كويني، ثم تزوجت شخصية وطنية لبنانية طلب منها أن تعتزل الغناء وتسحب أسطواناتها من السوق. وكان اسم «سهام» لشقيقتي الأخرى. وما زلنا في «طلبات المستمعين» فجاءت «بديعة» على اسم الفنانة المصرية اللبنانية الأصل بديعة مصابني، و«هيام» على اسم المطربة اللبنانية هيام يونس، وأفلتت من المصيدة الغنائية ثلاث شقيقات. ومن حسن حظي أن العادة جرت في العراق وبعض دول الخليج على إطلاق أسماء معينة على الابن الأكبر تتسق مع اسم الوالد؛ فإذا كان اسمه «علي» فإن ابنه الأكبر يجب أن يكون حسين، والعكس صحيح: حسين «أبو علي»، وإذا كان اسمه يوسف فهو «أبو يعقوب»، وطارق «أبو زياد»، ومحمد «أبو جاسم» وحسن «أبو فلح» وجواد «أبو كاظم» وكرار «أبو حيدر» وعبد الرحمن «أبو عوف» ومحمود «أبو شُكر» وسلمان «أبو داود» وهكذا صار نصيبي «داود» مع أنهم لو سألوني مقدماً لاخترت اسم «عنترة بن شداد» أو «كاري كوبر» أو «طرزان» أشهر أسماء أفلام ذلك الزمان! واشتهرت في العالمين العربي والإسلامي أسماء «التعبد» مثل عبد الله وعبد العليم وعبد الخالق وعبد ربه وعبد السميع وعبد الحليم، لكن القبائل الإفريقية المسلمة يُطلق بعضها هذه الأسماء على النساء أيضاً، فتصور أن زوجتك اسمها «عبد الجبار» أو «عبد الحسين»! لكن الإخوة الهنود لهم ابتكارهم الخاص، فهناك أب أراد أن يوفق الله ولده وينال أعلى الشهادات الدراسية فأطلق عليه اسم «ماجستير»، وآخر تمنى أن تكون ابنته الكبرى مثل الهند فأسماها «حرة مستقلة» بالهندي طبعاً! واكتشفت أن في ماليزيا، حيث معظم الأسماء إسلامية أو صينية أو هندية، رجل كان معجباً كثيراً بالمطربين العرب القدماء أمثال محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش ومحمد عبد المطلب ومحمد الكحلاوي ووديع الصافي فأطلق على ابنه الأكبر اسم «فريد الأطرش»! فهو لم يكتفِ باسم المطرب نفسه وإنما أخذ لقبه أيضاً. و«فريد الأطرش» الماليزي هذا ترعرع وشبّ وتخرج من كلية الشرطة في كوالا لمبور، وهو الآن قائد الشرطة المحلية في ولاية «بينانغ ميور»، واسم والده «وحيد» وهو مستوحى أيضاً من الاسم الشهير الذي يظهر به مطربنا الراحل فريد الأطرش في معظم أفلامه! وقرأت اسمه مؤخراً في خبر عن إلقائه القبض على الرسام ذو الفقار أنوار الحق وهو أشهر رسام كاريكاتير في ماليزيا بتهمة السخرية من رئيس الوزراء وعائلته. في الصين هناك عشر عوائل رئيسة للألقاب وهي «لي» و«وانغ» و«جانغ» و«ليو» و«تشين» و«يانغ» و«تزاو» و«هوانغ» و«تسو» و«وو». أي أن الألقاب مؤممة وقطاع عام وليست هناك ألقاب شخصية أو عائلية أو عشائرية أو طائفية. وكل الأسماء تبداً باللقب ثم يأتي الاسم الشخصي ووالده. تصور مليار ونصف المليار شخص يتوزعون على عشر عوائل فقط. وأنا في حيرة من أمري وأمر الصينيين: كيف يُعلق المعلقون الرياضيون على مباريات كرة القدم وكل الأسماء، مثل الوجوه، تتشابه؟! وكنت أعرف دبلوماسياً صينياً في بغداد في الثمانينيات من القرن الماضي زارني يوماً في صحيفة «الجمهورية» وأبلغني مبتهجاً أنه رُزق بطفلة جميلة أطلق عليها اسماً مستوحى من العراق وهو أن أن «An An» ومعناها «التسامح والمحبة والسلام»! فعلاً اسم مستوحى من العراق.. وخاصة في الستين عاماً الأخيرة.

مشاركة :