نحو ألق ثقافي / لا موسيقى في الأحمدي - ثقافة

  • 3/14/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

عن نوفابلس، صدرت مؤخرا رواية جديدة بعنوان «لا موسيقى في الأحمدي»، للكاتبة مُنى الشمري.وضعت مُنى في طليعة روايتها عبارة: «أي تشابه بين شخوص الرواية والواقع، هو مجرد مصادفة...»؛ وغني عن البيان، أن هذه العبارة، تكتسب أهمية خاصة، لدى«الأدب الإقليمي Regional Literature»...الذي تنهل منه الكاتبة للمرة الثانية... وذلك لاعتبارات عديدة تتعلق بالسرد الاجتماعي بين ثنايا الرواية.منذ مجموعتها الأولى «يسقط المطر... تموت الأميرة»، امتاحت مُنى من اللون المحلي للأدب، مُخترقة القيم الفنية السائدة بتوجيه الأفق صوب مدن لم نعهد طرح مشاكلها وقيمها في الأدب الكويتي، ألا وهي مدن «المنطقة العاشرة»، وتحديدا مدينتي الفحيحيل والأحمدي.تشير الإقليمية في الرواية إلى تركيز الكاتبة على سمات محددة في المدينتين، مثل عادات السكان، لهجاتهم، تاريخهم، مغذية- مُنى- الأدب المحلي بشخصيات غير مكرورة، مثل شخصية سيف،العُماني الأصل، وخيبته البارزة، بعد أن قاده حبه لفتاة كويتية لاتساع المسافة بينه وبين وطنه الذي تجنس بجنسيته، ألا وهو الكويت.وتنزاح مُنى عن الأفق التقليدي للقراء بشخصياتها الجديدة، كذلك البدوي المدعو بومشاري، الذي امتهن تهريب الآثار، فضلا عن تلك البريطانية إلين، التي انعكس حبها لجمال بحر الأحمدي، انعكاس الضوء على الأشياء، كاشفا عن شغفها بكنوز آثار الجزيرة العربية، التي يجلبها بومشاري بناء على خرائط تزوده بها إلين عينها.هناك شخصيات أخرى لافتة بأصالتها وجدتها، مثل البدوية أم مشاري، التي يضربها زوجها ثم يراضيها بالذهب، وغيرها من الشخصيات التي أسست في مجموعها مرجعية خلفية للكاتبة، كالبدون البعثي، والفلسطيني المُجدف على الله... وهكذا دواليك.وبعيدا عن كون الرواية ناجزة أم لا، فإنه من المعلوم، أن أولى خصائص الرواية الجيدة، أنها لا تكون مجرد «إعادة إنتاج»، لجنس أدبي... حيث تكتسي «لا موسيقى في الأحمدي» قيمتها من تقبل الشمري لسبيل نفسها وبيئتها، وقدرتها على تجاوز قصر المسافة – قياسا على حداثة تجربة المُؤلفة - بالانفتاح على عالم إقليمي جديد بالنسبة لقرائها، يمثل منبع الدهشة الفنية والجمالية في قلمها.أن تعاطف الشمري مع الطبيعة في الأحمدي والفحيحيل، لربما وضعها - برأي بعض النقاد - في مصاف الروائيات الكويتيات الأكثر شهرة، في السبق إلى هذا الصنيع، فهذا النوع من الأدب الممتاح من «روح المكان»، آخذا في الاتساع، وأذكر – مثلا – كدليل على ما أزعمه، أن الجمعية الملكية لأدب الكومنولث البريطاني، تمنح جائزة سنوية للأعمال الأدبية التي تستحضر ببلاغة جديدة، روح المكان.وإذا كانت الكاتبة قد عبرت - من دون مواربة - في عملها الأول «يسقط المطر... تموت الأميرة» عن استيائها من تهميش الفحيحيل وتدمير جمالياتها المكتسبة مع الزمن، بفعل آلات ضخمة، حولت بفعل ضوضائها، الأصالة والأزقة والحواري والجدران والأبواب إلى رفات، فإنها تركز في هذا العمل على الخلط المتعمد للقيم والمفاهيم في الثقافة الكويتية، لافتة النظر إلى الأوضاع الاجتماعية المختلة في الفحيحيل والأحمدي، التي تمثل- من نافل القول- مؤشرا آخر متكاملا يدعم أحدهما الآخر، فيما يتعلق بالتهميش والتدمير للمدينتين، ولكن من زاوية اجتماعية أخرى.إن المتلقي الذي يمضي قليلا من الوقت أمام التلفزيون، أو حتى المتصفح للأعمال الأدبية السطحية الكثيرة حقيقة، ليجد أن الفن الكويتي، لا يسوق في غالبيته إلا لفقاعات مخملية، مستعرضا أقبح ما في الجمال النسوي، فضلا عن أنماط الحياة الاستهلاكية البضائعية لدى شريحة محدودة من شرائح المجتمع الكويتي، لا بد له أن يحيي مُنى الشمري وغيرها من الكتاب الكويتيين، الذي يقدمون سجالا جديا مع الواقع، ويبلورون قيما ثقافية بناءة في المجتمع الكويتي، رغم تعذر صياغة طموحاتهم وقيمهم الإنسانية البناءة بشكل فاعل.نعم ليس بيد مُنى الشمري وغيرها من الكتاب سوى القليل ليفعلونه، لكن المُغامرات الجذرية التي يقدمونها على المستويين الفكري والجمالي عظيمة، وتستحق التقدير.فمبروك لمنى الشمري إصدارها النوستالجي الجديد، رواية «لا موسيقى في الأحمدي»، والتي ابتكرت من خلالها، جماليات جديدة مقلقة ومدهشة في الأدب الإقليمي الكويتي، تماما كما فعلت في «يسقط المطر... تموت الأميرة».* أستاذ النقد والأدب

مشاركة :