قصة «الأب الروحي للضباط الأحرار»: رفضته «الحربية» فقالت والدته لمديرها «خرسيس أدب سيس»

  • 7/5/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

فى 1863 زار السلطان العثمانى عبدالعزيز مصر، كان الخديو إسماعيل فى بدايات حكمه وشبابه طموحًا ومتدفقًا بالأمل والرغبة فى بسط نفوذه والحصول على رضا السلطان، وكان فى نفس الوقت يتمنى أن تمر هذه الزيارة بسلام، فهى أول زيارة لسلطان عثمانى لمصر منذ دخول السلطان سليم فى 1517 واحتلاله لمصر وإعدام حاكمها طومان باى. ولما مرت الزيارة بسلام وأمان، بل حدث فيها أن الشيخ الزاهد الورع «العدوى» قد دعا للسطان، وانشرح قلب الأخير له، وتخليداً لهذه الزيارة وتكريمًا للسلطان، أطلق اسمه على شارع من أهم شوارع القاهرة فى هذا الوقت، وهو «عبدالعزيز»، كان إنشاء شارع عبدالعزيز جزءًا من سياسة عامة اعتمدها الخديو إسماعيل بإعادة تخطيط العاصمة. يقول عبدالرحمن الرافعى فى موسوعته «عصر إسماعيل» إن الخديو وجه كل عنايته الخاصة إلى القاهرة والإسكندرية، حيث أزال تلال الأتربة من القاهرة وأعاد تخطيط الشوارع وميادين جديدة كشارع الفجالة الجديد، وشارع كلوت بك وشارع محمد على وشارع عبدالعزيز وشارع عابدين، كما أنشأ أحياء بأكملها، كحى الإسماعيلية والتوفيقية وعابدين وميدان الأوبرا، ونظم جهات الجزيرة والجيزة، بعد أن أنشأ بها قصوره العظيمة، وأنشأ حديقة النباتات بالجيزة، وكان لفتح الشوارع والميادين والأحياء الجديدة فضل كبير فى توسيع المدينة وتجميلها، وتوفير الهواء النقى وتدبير الوسائل الصحية للسكان، وارتفاع قيمة الأراضى والمبانى وازدهار العمران. يقال أيضًا فى بعض المصادر إن شارع عبدالعزيز بالتحديد كان عبارة عن جبانة فسيحة لدفن الموتى، لكن الخديو العصرى الذى أراد للقاهرة أن تنافس مدن أوروبا شق الطريق ليربط العتبة الخضراء حيث قصر الخديو الأسبق عباس الأول وكان مدخله يحمل اللون الأخضر وبالقرب من حدائق الأزبكية التى لا تبعد عنها كثيراً، فى هذا الشارع كانت هناك أسرة يطل مسكنها على حدائق شريف الواسعة التى كانت تمتد حتى شارع محمد على، كانت هذه الأسرة، كما يذكر محمد صبيح فى كتابه عن «عزيز المصرى» تحمل اسم كبيرها الشيخ على المصرى وهو من أعيان البحيرة ومزارعيها، وقد أطلق عليه لقب المصرى، تمييزاً له عن جاره التركى واسمه الشيخ على أيضًا، وكانت زوج الشيخ على سيدة شركسية، تمتاز بالجمال والأناقة، ولكنها ككل السيدات اللاتى استقرت أسرهن فى مصر، كانت شديدة التعلق بموطنها، وكانت دائمة التحدث عن بلادها وروعتها، ولا سيما عن عاصمة الخلافة «إسلام بول» أى موطن الإسلام، وقد حرفت مرتين ليصل اسمها فى النهاية إلى إسطنبول، ورزق الشيخ على من زوجته هذه بابنة جميلة، وبعد سنوات قليلة على وجه التحديد رزق بابن، أصرت الأم على أن يسمى عبدالعزيز على اسم السلطان الذى يحمل شارعهم اسمه، وكان الاسم الكامل للوليد الذى تمناه الأبوان: عبدالعزيز المصرى، وتاريخ مولد عبدالعزيز (عزيز المصرى) مختلفا عليه ولكنه يتراوح ما بين 1877و1880. ويكتب لمعى المطيعى فى كتابه «هذا الرجل من مصر» أن تاريخ مولد عزيز المصرى باشا المرجح فى 1877 وليس 1880 كما تذهب مصادر عديدة أخرى، لكن يؤكد، شأنه فى ذلك شأن آخرين، أن والده كان اسمه «زكريا أفندى على» وتوفى و«عزيز» فى العاشرة من عمره، كان زمنًا يشبه الكثبان الرملية سواءً فى القاهرة أو الأستانة، هناك فى عاصمة الدولة العثمانية، فبعد أربعة عشر عامًا من زيارته الميمونة لمصر، تم انتزاع السلطان عبدالعزيز من قصور الخلافة، حيث عرشه الكبير والوثير إلى سجن ضيق، حيث انتهت حياته قتيلاً هناك، وبعد ذلك بعامين فقط وبالتحديد فى 1879، يصدر السلطان الجديد عبدالحميد الثانى، وبناءً على ضغوط الدول الأجنبية الدائنة لمصر، واحداً من أهم فرماناته بخلع خديو مصر إسماعيل وتولية ابنه توفيق مكانه، فى هذه الأجواء يولد «عزيز»، فى هذه الأجواء تتشكل الأرضية الخصبة لاحتلال بريطانى غاشم ليخنق مصر لما يزيد على السبعين عامًا. بالقرب من مولد «عزيز» مكانًا وزمنًا، ولدت أول ثورة قومية تطالب بوضع حد لاستبداد أسرة محمد على الحاكمة وتطالب بمواجهة النفوذ الأجنبى فى مصر، كان شعارها مصر للمصريين، ونتيجة للإدارة الاقتصادية السيئة والمبذرة فى عهد إسماعيل، وافق الخديو توفيق على قانون التصفية فى 1880 الذى خصص أكثر من نصف إيرادات مصر لصالح الدين العام وبذلك تمكن الأجانب من السيطرة على الاقتصاد المصرى. المواجهة المباشرة جاءت مع رفض الأميرالاى أحمد عرابى ورفاقه من المصريين تحكم القادة الأتراك فيهم ووقف ترقياتهم عند الرتب المتوسطة، وتصاعد الأمر إلى أن كانت المواجهة مع الخديو توفيق نفسه الذى كان مجبراً على قبول طلبات الضباط المصريين وعلى رأسهم عرابى، فى العام التالى، ومع تواطؤ الخديو وخيانته، انهزم عرابى وجيشه، ثم بدأ الاحتلال البريطانى. كانت الأسر المصرية، فى غالبها، تتعامل مع الواقع بحذر بالغ، لكن بحرص على تعليم أبنائها وبشكل جيد، ما إن بلغ عبدالعزيز المصرى سن التعليم حتى التحق بالمدرسة، كان تعليمه الثانوى فى المدرسة التوفيقية بحى شبرا، كانت مدرسة الطبقة الراقية فى ذلك الوقت، وكانت المدرسة التوفيقية تعتنى باللغة الإنجليزية، بعد أن فتح الخديو توفيق المجال للثقافة والعلوم الإنجليزية، حتى قبل الاحتلال، ولما تمكن لهم ذلك بسطوا أيديهم على مرافق الدولة وأولها التعليم. يقول محمد صبيح فى كتابه «إن رئيس النظار مصطفى فهمى باشا كان ينفذ كل شىء يطلبه المستشارون الإنجليز،، فلا بأس من تعلم اللغة الإنجليزية فى المدارس، ولكنها كانت لغة كثير من المواد الدراسية العادية، فالطبيعة والكيمياء والتاريخ الطبيعى والجغرافيا والتاريخ كانت تدرس بالانجليزية، وترك للغة العربية المواد الرياضية، هذا إلى جانب اللغات الثلاث العربية والانجليزية والفرنسية والرسم والخط، كان عبدالعزيز قصير القامة، وكثيراً ما عيره زملاؤه بقصره، فعوض هذا القصر بإقباله على الرياضة البدنية، حتى أصبح قادراً على منازلة أطول الأولاد قامة ولسانًا، والتغلب عليهم. تعلم عبدالعزيز إلى جانب الإنجليزية، والفنرسية، وأيضًا التركية -على يد والدته- كما تعلم العربية التى كان حرص المدارس على العناية بها هو نوعا من المقاومة المثمرة للمحتل البريطانى، حصل على البكالوريا من المدرسة التوفيقية سنة 1896، والتحق بكلية الحقوق على غير رغبته ونزعته إلى العسكرية، تلبية لرغبة على باشا ذوالفقار. فى المقابل وفى الرؤية السائدة التى حصلت عليها من أكثر من مصدر، أنه بعد أن حصل عبدالعزيز المصرى على شهادة البكالوريا بتفوق، قرر أن يلتحق بالمدرسة الحربية ليكون ضابطًا، عسى أن يتمكن من إيقاف الإنجليز عند حدهم وأن يثأر لهزيمة التل الكبير، وتقدم للمدرسة الحربية، فرفض لأن قامته أقصر من الطول المقرر للضباط، حسب المواصفات التى وضعها الإنجليز للالتحاق بهذه المدرسة، وصاحت أمه فى غضب تصف قائد المدرسة الذى رفض ابنها قائلة: «خرسيس أدب سيس، عبدالعزيز يذهب إلى الأستانة العليا، أقاربنا هناك يدخل مدرسة حربية أكبر من مدرسة قاهرة». تأهب الشاب الصغير القصير عبدالعزيز للرحلة التى ظل كل أيامه ولياليه يسمع من أمه عنها،، يشجعه إتقانه اللغة التركية ووجود أقارب له من أسرة والدته، وهناك فى عاصمة الدولة العثمانية «إسطنبول» التى كانت تعج بحركات تحررية وثورية شابة، تبدأ المرحلة الأولى فى «ثورية» عزيز المصرى.

مشاركة :