كانت شجرة ضخمة، نبتت منذ أكثر من مئتي عام، وتعرّضت في حياتها الطويلة للصواعق ثلاث عشرة مرة، وهزّتها العواصف العاتية مئات المرّات. ورغم ذلك ظلت هذه الشجرة منتصبة في مكانها بشموخ كأنها جبل عتيد. حتى زحفت عليها جيوش الهوام والحشرات، تنخرها وتقرضها حتى سوّتها بسطح الأرض! وجعلتها أثرًا بعد عين!!. وحال هذه الشجرة كحال الكثيرين: يواجهون كوارث الحياة وأحداثها في شجاعة مذهلة، وصبر جميل، ثم يدعون التوافه تقضي عليهم، وتأتي على كلّ ما اجتهدوا فيه. والحال نفسه يشبه حال الكثير من الناس في التصدّي لكبائر الذنوب والمعاصي. فهم يتهيّبونها ويبتعدون عن مواقعتها -وذلك خير عظيم بلا شكّ- لكنهم يتهاونون بشأن ارتكاب الصغائر، ومحقّرات الذنوب حتى تجتمع عليهم وتقضي على كل خير. يقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (أيُّها الناس: إن الشيطان قد يئس أن يُعبد في أرضكم هذه أبدًا، ولكنه إن يطع فيما سوى ذلك فقد رضي به ممّا تحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم). وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من «حُنين» نزل قفرًا من الأرض ليس فيه شيء فقال لمَن معه من الصحابة: اجمعوا. من وجد شيئًا فليأتِ به. ومَن وجد عظمًا أو سنًا فليأتِ به. فما كان إلاّ ساعة حتى جعله الصحابة ركامًا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أترون هذا؟ فكذلك تجتمع الذنوب على الرجل منكم كما جمعتم هذا. فليتقِ الله رجل فلا يذنب صغيرة ولا كبيرة فإنها محصاة عليه). ونحن -جميعنا- ذلك العبد المقصّر، المذنب الذي قد يرتكب الصغيرة غير آبهٍ بها، ولا يقظ لها، ولا مدرك لما قد تفعله به من نتائج فادحة. وقد صدق الشاعر حين قال: إن الأمور صغيرها مما يهيج له العظيم والأيام المقبلة -بإذن الله- حبلى بالخير، وموسم خير ورحمة ومغفرة، مع إطلالة شهر رمضان العظيم الذي يُعدُّ موسمًا للخير لا يضاهيه موسم. والكيِّسُ الفَطِنُ منّا مَن يتنبّه له فلا يجعله يضيع منه بسبب توافه الأمور وصغائرها، وما أكثر ما تحيط بنا هذه التوافه، وتلك الصغائر في هذا الشهر الكريم الإطلالة، العظيم الأوقات. وكما حدث مع تلك الشجرة يحدث مع الإنسان في حياته كلها. إن لم ينتبه لفعل الصغائر وخطرها المحدق به وبحياته، سيأتي اليوم الذي تفتك به فيه. وكذلك الكثير من المشكلات التي تضرب حياتنا. نستهين بالصغير منها ونتجاهله، ونغفل عن أن هذه الصغائر اليسيرة -غالبًا- هي التي تهدم البيوت، وتفرّق الناس، وتقضي على العلاقات، وتدمّر المصالح، وتوقع البغضاء وجرائم الاعتداء والقتل. إن كثيرًا من الأمور في حياتنا نحقّرها ونُقلّل من شأنها. ولا نتنبّه إلى أنها أشد شراسة في إيذائنا من الكبائر التي غالبًا ما نحتاط لها، ونتصدّى لها، ونشعر بالفخر بذلك، لكننا نهمل حقيقة أن تلك الصغائر هي فعلاً مَن تقضي علينا، وتدمّر كل ما فعلناه. alshaden@live.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (46) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :