الدول الغنية والدول الفقيرة (3)

  • 7/31/2017
  • 00:00
  • 18
  • 0
  • 0
news-picture

في الجزء السابق من هذا المقال، قدّمنا نموذجاً لدولة صغيرة فقيرة في مواردها الطبيعية، ولكنها نجحت في تحقيق ناتج محلي مرتفع للفرد، فكيف تحقق لها ذلك؟ الجواب: إن هذا لم يتم بالجهد المتواصل وحده، أو بوضع خطط محكمة لرفع الإنتاجية فحسب، وإنما بالأخلاق! فإذا كانت جمهورية موريشيوس دولة فقيرة في مواردها، حيث اعتمدت زمناً على زراعة القصب كمصدر وحيد للدخل، فإنها غنية بقيمها ومبادئها، فيكفي أن تعلم أنها توفر التعليم مجاناً لجميع المواطنين حتى نهاية المرحلة الجامعية، وهي لا تعفيهم من سداد نفقات التعليم فحسب، ولكنها أيضاً تتحمل عنهم تكاليف نقلهم من منازلهم إلى مدارسهم، بحيث تصبح العملية التعليمية بأكملها على نفقة الدولة، فهي تؤمن بأن التعليم خدمة تلتزم الدولة بتقديمها للمواطن وليس سلعة للبيع، وهي لا تحقق ذلك عن طريق تكديس الطلاب في الفصول أو الاعتماد على معلمين غير مؤهلين أو مؤهلين نصف تأهيل، كل مهمتهم هي حشو أدمغة التلاميذ بلغو الكلام لمجرد التظاهر بأنها توفر لمواطنيها تعليماً مجانياً، وإنما تحرص على أن يكون التعليم بمختلف مراحله على أعلى مستوى لتنهض بالأمة نهضة حقيقية. كما أنها توفر العلاج والرعاية الصحية مجاناً لجميع المواطنين، بما في ذلك جراحات القلب ذات التكلفة الباهظة، وتحرص على أن يكون علاجاً حقيقياً وليس مجرد ملء الأسرّة في المستشفيات، ولا تسمح باستغلال المريض، فلا يوجد فيها من يتاجرون بصحة المواطنين. أما عن ملكية المساكن، فإن %90 من مواطني موريشيوس يسكنون في منازل مملوكة لهم، وليست بها أسر مشردة أو عائلات تشكو من ارتفاع أسعار الأراضي ومواد البناء، ويصل دخل الفرد في موريشيوس إلى 19600 دولار، ومع ذلك لم يتفاخروا يوماً بأنهم الأعلى دخلاً في أفريقيا. من أجل هذا أصبحت جمهورية موريشيوس أغنى دولة أفريقية رغم عدم امتلاكها موارد طبيعية، فلا نفط و لا معادن، وإنما تعتمد على الإنسان ثم الزراعة وتصدير المنتجات الزراعية بعد تصنيعها، والسياحة كمورد دخل استثنائي. أما الإنفاق العسكري، فيأتي في هامش الميزانية، لأن الأولوية في الإنفاق على الصحة والتعليم والخدمات. وهي دولة تتمسك بالديموقراطية وسيادة القانون وتعلي قيمة العلم والمعرفة، وليس أدل على ذلك من أن رئيسة موريشيوس الحالية، وهي الدكتورة أمينة غريب فقيم، عالمة تحمل درجة الدكتوراه في الكيمياء العضوية، وأشهر ما قالته: «لقد أختارتني السياسية وأنا لم أخترها». وقد ألّفت أكثر من 20 كتاباً و80 بحثاً في علم الأحياء على مستوى العالم. وعلى الرغم من أن المسلمين أقلية في جمهورية موريشيوس، حيث يشكّلون %17 فقط من المواطنين، فإن الشعب اختار رئيسة مسلمة، لأنه مجتمع متعايش في سلام ولا تحكمه النعرات الدينية. وهذا كله يؤكد ما كتبه أحد الأساتذة الجامعيين لطلابه في مراحل الدكتوراه والماجستير والبكالوريوس، في رسالة معبّرة وضعها على مدخل الكلية في الجامعة، هذا نصها: تدمير أي أمة لا يحتاج إلى قنابل نووية أو صواريخ بعيدة المدى.. ولكنه يحتاج إلى تخفيض نوعية التعليم والسماح للطلبة بالغش..! فيموت المريض على يد طبيب نجح بالغش..! وتنهار البيوت على يد مهندس نجح بالغش..! ونخسر الأموال على يد محاسب نجح بالغش..! ويموت الدين على يد شيخ نجح بالغش..! ويضيع العدل على يد قاض نجح بالغش..! ويتفشى الجهل في عقول الأبناء على يد معلم نجح بالغش..! فانهيار التعليم نتيجته المؤكدة هي انهيار الأمة! وللحديث بقية… المستشار عادل بطرس a.botrosfarag@gmail.com

مشاركة :