الدول الغنية.. والدول الفقيرة (5)

  • 8/14/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تكلمنا في الأجزاء السابقة من هذا المقال عن الإجابات التي تعددت حول السؤال المهم: لماذا توجد في العالم دول غنية وأُخرى فقيرة؟.. وقلنا إن هذه الإجابات قد تباينت تبايناً كبيراً عبر العصور، وبدأنا بآدم سميث، الذي كان من رأيه أن الفارق بين الثروة والفقر ينتج عن الحرية النسبية للأسواق، وافضنا في بيان نظرياته في هذا المجال، ومنها نظرية اليد الخفية، ونظرية المصلحة المستنيرة.. الخ. ولكن نظريات آدم سميث لم تسلم من النقد، فرأى بعض العلماء أن الفقر يأتي من زيادة عدد السكان، فالناتج القومي مهما ارتفع حين يوزع على عدد اكبر من السكان يصبحون جميعاً فقراء، بينما رأى البعض الآخر أن سبب فقر الدول هو غياب التكنوقراط، أي غياب الفنيين المتخصصين نتيجة تفشي البيروقراطية البغيضة، أمّا البعض الثالث فيرى ان سبب فقر الدول هو ضعف التربة وعدم وجود أنهار صالحة للملاحة، كما ان انتشار الأمراض الاستوائية يعتبر من العوامل التي لها دور في ذلك، بينما يشير الآخرون إلى عوامل الثقافة والجغرافيا والمناخ والاستعمار والقوة العسكرية. وقد شكك أسيموغلو في صحة كثير من النظريات السابقة، فقال: لو كان الفقر ينتج أساساً من الجغرافيا أو التاريخ، إذن كيف يمكننا تفسير التجارب الناجحة في بوتسوانا أو كوستاريكا أو تايلند؟ وفي كتابه الجديد «لماذا تفشل الأمم؟» يقول أسيموغلو إن ثروة أي بلد ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمدى مشاركة الشخص العادي في النمو الكلي لاقتصاد ذلك البلد، وهي فكرة ظهرت على يد آدم سميث، ولكن ظلت قروناً بعدها لا تلقى أي اهتمام، في ظل تركيز خبراء الاقتصاد على النماذج النظرية للنظم الاقتصادية المثالية أكثر من تركيزهم على المشكلات الحقيقية التي تواجهها الأمم، كما نبه أسيموغلو إلى أثر الاستعمار على المستوى الاقتصادي للدول التي استعمرت، فهو يرى أن بعض الدول المستعْمَرَة نمت وتطورت وهي تحت الاحتلال، بينما دول اخرى ظلت على فقرها وتخلفها طوال مدة الاحتلال واستمرت كذلك حتى بعد الاستقلال، وتبين ان السبب يكمن في «المصلحة»، اي مصلحة الدول الاستعمارية وليست مصلحة الدول تحت الاستعمار، فالُمستَعْمِر إذا وجد في الدولة التي يستعمرها بيئة صالحة ومناخاً ملائماً فإنه يقيم فيها مع أهلها وينهض بهم وباقتصادهم، كما فعل في كندا وأستراليا والولايات المتحدة، أمّا إذا وجد بيئة غير صالحة وصعوبات معيشية، كالأمراض والأوبئة والناموس والذباب، فإنه لا يقيم فيها وإنما يستنزف ثرواتها ويتركها على فقرها وتخلفها، كما فعل في أغلبية الدول الافريقية التي احتلها، خصوصاً الدول التي تقع على خط الاستواء، او القريبة منه، وقد بنى استنتاجاته هذه على معدل الوفيات في دول أوروبا، ففي احدث بحث له يقول ان الأوروبيين قد تبنوا سياسات استعمارية متغيرة من مكان الى مكان، ففي الأماكن التي كانوا يواجهون فيها معدلات وفيات عالية نتيجة سوء المناخ او انتشار الأوبئة والامراض، كانوا ينزحون منها ويستنزفون ثرواتها عن بعد، وبهذا تتدهور حالتها الاقتصادية أكثر ويتدنى مستوى دخل الفرد فيها، أمّا في الأماكن التي لا يواجهون فيها هذه الصعوبات فإنهم يقيمون فيها ويرفعون من مستواها الاقتصادي بما ينعكس على دخل الفرد. وللحديث بقية.. المستشار عادل بطرس a.botrosfarag@gmail.com

مشاركة :