الدول الغنية.. والدول الفقيرة (6)

  • 8/21/2017
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

إثباتاً لما يراه أسيموغلو وزميله جيمس روبنسون في كتابهما «لماذا تفشل الأمم» من أن الطريقة التي اتبعها الاستعمار في الدول التي احتلها هي أحد أهم أسباب تخلف الدول الفقيرة، على ما تناولناه في الجزء السابق من هذا المقال – إثباتاً لذلك – ساق المؤلفان مثالاً بمدينة صغيرة تدعى نوجالس تقع على الحدود المكسيكية الأميركية، يقسمها حاجز إلى نصفين: نصف في غاية الثراء، ونصف في غاية الفقر. ورغم أنهما مدينة واحدة، لهما نفس الوضع الجغرافي، ولهما نفس السمات الثقافية ويسكنها نفس السكان، ويعانون من نفس المشاكل والأمراض، فإن أحد النصفين أغنى ثلاث مرات من النصف الآخر، وأكثر صحةً وأمناً، وأعلى مستوى معيشة منه (وهذا يذكرني ببرلين الشرقية وبرلين الغربية في أعقاب الحرب العالمية الثانية). ويعزو المؤلفان هذا الفارق إلى أسباب استعمارية، فعندما جاء الأسبان إلى تلك البلاد كان لديهم هدف واحد هو الانتصار على السكان المحليين والاستحواذ على ثرواتهم، ولذلك حين أسسوا مستعمراتهم صمموا نظاما يجبر السكان المحليين على العمل لديهم، ويستخرجون الموارد الطبيعية بما يثري النخبة الأسبانية الحاكمة الصغيرة وحدها دون سواها، ما جعل التاج الأسباني في غاية الثراء، بينما الشعوب التي يستعمرونها في غاية الفقر. كما يرى المؤلفان أن استراتيجية الاستعمار البريطاني لم تكن تختلف عن سياسة الاستعمار الأسباني، ويريان أن هذه الاستراتيجية طُبّقت بنجاح في الهند وأفريقيا، لكنها فشلت في أميركا الشمالية لأسباب عدة، منها أن شمالي أميركا كان أقل جاذبية لهم، لأن فيه كمية أقل من الذهب بالمقارنة بأميركا الجنوبية، وأيضاً لأن الأميركيين الأصليين أبدوا مقاومة كبيرة ولم يسمحوا لأنفسهم أن يكونوا عبيداً يعملون لخدمة القادمين الجدد، ما اضطر المستعمرين في النهاية إلى خلق مؤسسات ديموقراطية مثلت حافزاً للمستوطنين للاشتراك في العمل والإنتاج. ويحمّل المؤلفان هؤلاء المستعمرين مسؤولية غياب الديموقراطية في الدول التي استعمروها، ما أدى الى فشلها اقتصادياً، وهكذا ربطا بين السياسة والاقتصاد، ففي رأيهما أن الأمم الناجحة ديموقراطياً هي التي تنجح اقتصادياً، أي أن الأمم التي تنجح في إعلاء كلمة القانون وإطلاق حرية الرأي ومحاربة الفساد، هي التي تنجح في رفع مستوى الدخل للفرد، ويستشهدان في ذلك بوقائع التاريخ على مدي العصور. ويتساءلان: ما الذي يجعل الدول تنتهي إلى دوامة من الفقر المتواصل؟ لماذا المكسيك أكثر فقراً من الولايات المتحدة؟ ولماذا تختلف أميركا اللاتينية جوهريا عن أمريكا الشمالية؟ لماذا متوسط دخل الأميركيين أعلى أربعين مرة من متوسط دخل مواطن من سيراليون مثلاً؟ هل السبب يعود إلى المناخ أو الجغرافيا أو الثقافة أو جهل القادة المحليين؟ لقد بينا من قبل أنهما يرفضان أيا من تلك العوامل، ويعتبران أن السبب الحقيقي الذي يكمن وراء الحلقة المخيفة للفقر والفروق الشاسعة بين الدول، هو دور المؤسسات الاقتصادية والسياسية، فالسياسة وتكوين المؤسسات السياسية يمثلان المحور الأساسي في النمو الاقتصادي، فالدول لا يمكنها تحقيق الازدهار الاقتصادي إلا ضمن نظام سياسي ديموقراطي كامل، ففي ظل المؤسسات السياسية غير الديموقراطية تتراكم الثروات لدى النخبة الحاكمة وحدها، التي لا يهمها مصلحة المجموع، فينخفض الناتج القومي، وبالتالي الناتج المحلي للفرد. ومع المزيد من الحرية الفردية تنشأ الحاجة إلى مزيد من الحرية السياسية، ما يقود في النهاية إلى النجاح الاقتصادي، ويستشهد المؤلفان في هذا الخصوص بما حدث بالفعل في الولايات المتحدة عند بداية نشأتها، فهما يريان أن الدستور الأميركي العظيم (١٧٧٤) وكفاح المواطنين ضد المستعمرين، كانا نتيجة طبيعية لتأسيس الجمعية العامة التي انشئت في مستعمرة جيمس تاون (١٦١٩)، فقد كان تأسيسها هو بداية الديموقراطية في الولايات المتحدة، وبالتالي سبب تفوقها الاقتصادي.. وللحديث بقية. المستشار عادل بطرس a.botrosfarag@gmail.com

مشاركة :