الدول الغنية.. والدول الفقيرة (4)

  • 8/7/2017
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

تعددت آراء علماء الاقتصاد حول السبب الحقيقي وراء غنى بعض الدول وفقر الأخرى، فقد رأينا أن آدم سميث كان من رأيه أن السبب الكامن وراء غنى الدول الغنية هو الحرية، فأشار إلى أن الفارق بين الثروة والفقر ينتج عن الحرية النسبية للأسواق. ولهذا، ابتكر نظريته الشهيرة «اليد الخفية» Invisible hand، حيث يقول: إن الفرد الذي يهتم بمصلحته الشخصية يساهم، أيضاً، من دون أن يدري في ارتقاء المصلحة العامة لمجتمعه، لما هو معروف من أن العائد العام للمجتمع هو مجموع عوائد الأفراد. فعندما يزيد العائد الشخصي لفرد ما، فإنه يساهم قطعاً في زيادة العائد الإجمالي للمجتمع. وملخص نظرية اليد الخفية أنه لو سُمح لكل مستهلك بحرية اختيار السلعة التي يرغب بشرائها، وسمح لكل مُنتِج أن يبيع ما يشاء وأن يُصّنِع السلعة التي يشاء وبالطريقة التي يرغب بها، فسينتهي بِنَا المطاف إلى سلع ذات نوعية مناسبة وسعر مناسب، ومفيدة لكل أفراد المجتمع. ويفسر ذلك بأن الجشع مثلاً رغم أنه سلوك ضار، فأحياناً يكون عاملاً دافعاً لتصرف نافع، فتحسين فعالية وكفاءة الإنتاج سيكون هدفاً للُمصنعين لأنه يزيد ربحيتهم عن طريق تقليص التكاليف وخفض الأسعار، وفي الوقت ذاته سيكون الدافع للقضاء على المنافسة. وسيستثمر المستثمرون في الصناعات المطلوبة من أجل الربح، كما سيسحبون استثماراتهم من الصناعات الأقل فعالية، وكذلك سيشجع هذا الوضع الطلاب على دراسة التخصصات المطلوبة، أي التي ستجلب لهم مداخيل أعلى. وكل هذه التفاعلات تحصل بشكل عفوي وطبيعي، كما أنها ستكون عامل توازن. فمثلاً: إن أفراد أي مجتمع فقير مستعدون لأن يعملوا بأجور منخفضة مما يجذب المستثمرين لإنشاء مصانع في المناطق الفقيرة لانخفاض التكلفة في هذه المناطق، وهذا يزيد الطلب على اليد العاملة. وبالتالي، ينتج مجتمع استهلاكي جديد مما يتطلب زيادة في الإنتاج. وبالتالي، زيادة في طلب اليد العاملة، وزيادة في الرواتب. وتستمر هذه الحالة حتى تصبح كلفة الإنتاج في هذه المنطقة التي كانت فقيرة – عالية، إلى درجة أنها لا تعود بالربح على المنتج، ولكنها تساعد الاقتصاد المحلي على الإنتاج والاعتماد الذاتي، ومن هنا برز مصطلح: «المصلحة الذاتية المستنيرة»، وهي فلسفة أخلاقية، معناها أن الأفراد الذين يتصرفون من أجل مصلحة الآخرين يحصلون بالضرورة على نفع ذاتي. أما المصلحة الذاتية غير المستنيرة، فهي نقيض فكرة المصلحة الذاتية المستنيرة، وهي الجشع الذي توصف به الحالات التي يقوم فيها الأفراد بالتركيز على مصلحتهم الشخصية فقط، ولا يأبهون بمصالح الآخرين، وتلك المصلحة غير المستنيرة تستطيع أن تحتكر أو تكتنز أو تغش أو ترفع الأسعار، وتتحكم في حاجيات المستهلكين، وهذا الأمر نعايشه في الأسواق، فنجد غلاء الأسعار والاحتكار والغش والخداع، وهذا كله من أجل تحقيق المصلحة الذاتية، من دون اعتبار لمصلحة المجموع، وهذا ما عناه آدم سميث باليد الخفية، فهو يرى أن المصالح الذاتية أشبه بالطاحونة التي تطحن كل ما تجده أمامها من دون أدنى تمييز، حيث قال في كتابه الشهير ثروة الأمم (الذي أشرنا إليه من قبل): نحن لا نتوقع الحصول على عشائنا بفضل نزعة الخير لدى القصاب أو الخباز، وإنما بفضل اهتمامهما بمصلحتهما الخاصة. فالمصلحة الخاصة هي اليد الخفية التي يقصدها آدم سميث، وهذه المصلحة لا حدود لها، لذلك نتجت عنها الكثير من الأزمات المالية والكوارث الاقتصادية.. وللحديث بقية. المستشار عادل بطرس a.botrosfarag @ gmail.com

مشاركة :