حاول الكاتبان اسيموجلو وروبسنون في كتابهما الشهير «لماذا تفشل الأمم؟»، الذي استغرق منهما 15 عاماً من الدراسة والبحث والتنقيب، الإجابة عن السؤال المهم لماذا تفشل الأمم اقتصادياً بينما تنجح الأخرى؟ ومن أجل تقصي هذه الأسباب، استعرضا تجارب عدة دول على مدى التاريخ ليتعرفا لماذا فشلت أو لماذا نجحت. بعد هذا الجهد المضني توصلا إلى أن سبب فشل الدول اقتصادياً يتركز في غياب الديموقراطية، فهما يريان أن الازدهار والنمو الاقتصادي يعتمدان أساساً على وجود مؤسسات سياسية يستطيع جميع أفراد الشعب المشاركة فيها، تقود إلى نشوء نظام سياسي تعددي، يحمي الحقوق الفردية، وهذه المؤسسات السياسية تؤدي بالضرورة إلى قيام مؤسسات اقتصادية تؤمّن الملكية الخاصة وتشجع الاستثمار وتعطي الفرصة للجميع، وبذلك تكون النتيجة على المدى الطويل هي زيادة الدخل وتحقيق رفاهية الانسان. ومن هنا نشأت نظرية المؤسسة التي تعتمد على فكرة المؤسسة في إدارة البلاد سياسياً واقتصادياً، لأن هذه المؤسسات هي التي تحدد مسار الدولة ومصيرها المستقبلي، وتحقق الدول النجاح الاقتصادي عندما تكون مؤسساتها شاملة ومتاحة لكل أطياف وطبقات المجتمع من دون تمييز، بينما تفشل الدول حينما تكون مؤسساتها منغلقة لا تضم إلا النخبة الحاكمة والدوائر القريبة منها وأصحاب المصالح المرتبطة بها، لأن المؤسسات المتاحة للكافة تحقق تكافؤ الفرص وتفتح الباب أمام جميع أفراد المجتمع للمشاركة والابتكار والتطوير وتحقيق التقدم، بينما المؤسسات التي تغلق أبوابها من أجل حماية سلطاتها السياسية والاقتصادية، ومن أجل تحقيق مصالح عدد محدود من النخبة، لابد أن تفشل، لأن هذه النخبة هي التي تحصل على كل شيء، وتجور على حقوق أفراد آخرين في موارد الدولة وعوائدها مما يؤدي إلى قتل الحافز لديهم والصراع على السلطة وربما الاقتتال من أجل التوزيع العادل لثروات البلاد. ويعني هذا النهج في إدارة البلاد أن تكون هناك مشاركة واسعة للسلطة السياسية مع وجود قيود ديموقراطية على هذه السلطة، مثل إجراء انتخابات ديموقراطية، ووجود دستور للبلاد، واحترام بل وتقديس سيادة القانون. كما يعني أيضاً من الناحية الاقتصادية أن تحترم المؤسسات الاقتصادية حقوق الملكية، واحترام العقود وتيسير إنشاء الشركات الجديدة، والأسواق التنافسية وحرية المواطنين في الدخول إلى مجالات العمل والصناعة التي يختارونها، وحتى يبرز الكتاب الفكرة التي تبناها، عقد مقارنة بين التراجع السياسي والاقتصادي الذي تعاني منه دول أوروبا الشرقية وروسيا، والتقدم الذي حققته دول أوروبا الغربية منذ قيام الثورة الصناعية، وحتى يقرّب الصورة إلى الأذهان لجأ إلى ضرب أمثلة واقعية من واقع عدة دول، اخترنا منها ثلاثة نماذج: الأول: كوريا الشمالية، فالمؤسسات الاقتصادية في كوريا الشمالية تجعل التملك شبه مستحيل على المواطنين، فالدولة هي التي تملك كل شيء بما في ذلك تقريباً جميع الأراضي ورأس المال، وتنظم الزراعة عن طريق المزارع الجماعية ويعمل الناس لدى الحزب الحاكم مما يقتل الحافز لتحقيق النجاح، ولهذا لم تفشل كوريا الشمالية فقط في النمو الاقتصادي مقارنة بما أحرزته كوريا الجنوبية، لكن شعبها فشل أيضاً حرفياً في الازدهار، فأصبح شعبها أفقر كثيراً من شعب كوريا الجنوبية. أما النموذج الثاني فهو أوزبكستان حيث العمل القسري الذي قضى على كل امكانات النجاح، ففي سبتمبر من كل عام، وهو موسم نضوج القطن تصبح المدارس خالية تماماً من طلابها الذين يجبرون على جمع القطن ويكلفون بحصة يومية تتراوح بين 20 إلى 60 كلغ من القطن حسب سنهم، وهكذا تتحول المدارس إلى معسكرات عمل، والمدرسون إلى ملاحظي عمال، والمستفيد الرئيسي هو النظام الحاكم وأعوانه مما أدى إلى فشل المجتمع في الخروج من مستنقع الفقر. ثم ضرب الكتاب مثلاً ثالثاً بالنمسا وروسيا اللتين حرمتا شعبهما من التكنولوجيا الجديدة لأغراض خاصة بالحكام، فقد رفض فرانسيس الأول امبراطور النمسا بناء السكك الحديدية، خوفاً من أن يسهّل بناؤها قدوم الثورة إلى البلاد بعد أن نجحت الثورة الفرنسية عام 1789 في فرنسا في ازاحة الأنظمة الظالمة، وهو نفس الأسلوب الذي اتبعته روسيا في ستينات القرن الثامن عشر، والنتيجة أن النمسا وروسيا فشلتا في تحقيق النمو الاقتصادي الذي أحرزته بريطانيا والولايات المتحدة اللتان كانت السكك الحديدية منتشرة في أنحائهما خلال القرن التاسع عشر. وخلص الكاتبان من ذلك كله إلى أن الاقتصاد الناجح بحاجة دائمة إلى دولة مركزية فعالة، ومن دونها يتبخر الأمل في توفير النظام وتطبيق منظومة قانونية فاعلة وآليات لتسوية المنازعات. هكذا أثبت الكاتبان أن الطريق الوحيد لتحقيق النجاح الاقتصادي هو إعلاء كلمة القانون، حيث يتساوى جميع أفراد الشعب في الحقوق والواجبات، وهذا هو السبيل الوحيد لخلق حافز لدى المواطنين لبذل الجهد للمشاركة في الإنتاج، لأنهم يعلمون تمام العلم أن هذه المشاركة ستعود عليهم بالنفع الخاص، فلا يقتصر أثرها على النخبة الحاكمة واتباعها فينشطون لتحقيق مصالحهم الشخصية التي تتكون منها في النهاية مصلحة المجموع، وبذلك تخرج الدول من دائرة الفشل! المستشار عادل بطرس a. botrosfarag @ gmail.com
مشاركة :