خيال لبناني بقلم: ميموزا العراوي

  • 8/25/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ليست هذه السنة هي السنة الأولى التي يقيم فيها لبنان تلك المهرجانات، ولكنها بالتأكيد من أهم المهرجانات التي أظهرت تطورا فنيا في منطق تقديم المشاهد الفنية.العرب ميموزا العراوي [نُشر في 2017/08/25، العدد: 10733، ص(16)] عندما غنى فضل شاكر ويارا أغنيتهما الرقيقة وبصوتهما الجميل “خذني معك”، فقد أرادا التعبير عن عاطفة الحبّ الشيقة التي تجمع قلبين في ضمة واحدة بعيدا وخارج الغلاف الجوي للكوكب الأزرق، غير محتاجين إلى أي شيء غير الحب، ولا حتى إلى الأوكسجين “الأرضي” الملوث بالكراهية. غير أن هذه الأغنية بكلماتها البسيطة-الخلاّقة والبصرية جدا وبلحنها العذب والدافئ، كان يُمكن لها أن تكون تمهيدا أو إعلانا عن افتتاح الموسم الغني والمتنوع لمهرجانات لبنان الصيفية هذه السنة، بدلا من أن تفتتح فيه الفنانة يارا حفل جرش الفنيّ منذ عامين، وأن يصار أيضا إلى إنتاج فيديو كليب جديد مغاير للكليب القديم الكثير السذاجة والمُباشرة الذي ظهر لدى إطلاق الأغنية لأول مرة. وفي هذا السياق يمكننا أيضا أن نقيم للتحسّر مقاما لأجل فنان أساء إلى مساره الفني، فانحجب عن الساحة الفنية، لولا ذلك لكان بإمكان أغنيته تلك أن تكون عنوانا غنائيا يفتح الرؤيا على أغنى التصورات الوردية لعالم يعيش، كلبنان تماما، مسوّرا بلون ولزوجة قطران أفرزه فساد الداخل وحروب المنطقة وأهوال العالم بأسره، ولكنه بالرغم من ذلك عالم “لبناني” المزاج نابض بأحلامه المائية وهذيانه اللذيذ، وطائف بخياله الساحر بضعة أمتار فوق واقعه المشبع بالمشاكل السياسية والاجتماعية، وغير محتاج إلاّ إلى الحب لكي ينمو بخضرته المحلومة دوما. بعض كلمات الأغنية، الأكثر إشارة إلى ما ذكر آنفا، تقول “خذني معك، بالجوّ الحلو، خلّيني معك اسرح يا حلو.. خيالك خيال مش عادي.. كلامك كلام مش عادي.. وجاييني بزمان مش عادي.. وتوعدني بأمان.. توعدني بمكان.. لاقيني بمكان تننسى الزمان ونغني.. هالقلب، اسمعي، عم ينده هلا”. ليست هذه السنة هي السنة الأولى التي يقيم فيها لبنان تلك المهرجانات، ولكنها بالتأكيد من أهم المهرجانات التي أظهرت تطورا فنيا في منطق تقديم المشاهد الفنية، خاصة تلك التي تتعلق بعرض الأغاني اللبنانية. اختلفت كل مدينة وكل قرية عن الأخرى في طريقة وأسلوب تنفيذ الاحتفالات وما تضمنته مع مراعاة ذكية لإظهار ما تتميز به هذه المدينة، أو هذه القرية عن غيرها من خصوصية. كما اشتركت كل تلك المناطق في التركيز على تصميم السينوغرافيا التي ظهرت من خلالها الحفلات، المُقدمة على منصات مصممة بحرفية وفنية عالية، أشبه بصفحات من كتاب فنيّ متحرك “مش عادي” مُلتهبة بالألعاب النارية ومُضاءة معظمها بمصابيح “اللايزر” التي طغى عليها اللون الأحمر والأبيض والأخضر، تيمنا بألوان العلم اللبناني. كذلك الأمر، حرّك تقلبات تلك المشاهد وتتابعها “خيال مش عادي” أخذت عبره المُشاهد إلى مكان هو الآخر “مش عادي” أشبه بلوحات تشكيلية مُستقبلية المنحى، لا يغيب عنها أن تشير بصريا بين الفينة والأخرى إلى أنها حفلات مُقامة على أرض لبنان ولأجل مجد لبنان، كما هو موجود في الخيال والتمني، حيث يطيب الانخطاف عن الحقائق المرة والانغماس في هناء الليالي، وحيث “يُنسى الزمان” وتُقال “الكلمات غير العادية”، وحيث يصبح “الأمان/الوعد” أروع ما يمكن تمنيه، وحيث تكون الدعوة إلى “السرحان” في “الجو الحلو” لا قيام لها إلاّ في قلب لبنان “الحلو”، الذي ينده للجميع بصوته الشجيّ والعميق “يا هلا”! إلى جانب المهرجانات الدولية الثلاثة: بيت الدين، بعلبك وبيبلوس، شهدت مختلف المناطق والقرى والبلديات اللبنانية مهرجانات ناجحة جدا، كما رأى لبنان هذه السنة عودة مهرجانات الأرز التي تألقت بألوان العلم اللبناني، واستقبل من ضمن مهرجان بيبلوس، مروان وغدي وأسامة الرحباني وفيلمون وهبي ونصري شمس الدين عبر سلسلة من الأغنيات أداها غسان صليبا وسمية بعلبكي. أما مهرجان بعلبك فقد احتفل بالعيد الـ60 “لليالي اللبنانية” عبر أمسية قدمها رامي عياش وألين لحود وبريجيت ياغي، إضافة إلى مشاركات عربية وأجنبية مهمة جاءت مهرجانات لبنان هذه السنة، والتي تعدت الـ33 مهرجانا، مُعطرة بنفحة لبنانية “مش عادية” ومُستجدة وأكثر حضورا مما سبق، جعلت منها وسائل فنية ناجحة لإنعاش الحس الوطني الذي تعرض لأخطار عدة وخاصة في الفترة الأخيرة. ناقدة لبنانيةميموزا العراوي

مشاركة :