سيراميك لبناني مطبوخ بالنار والخردل بقلم: ميموزا العراوي

  • 1/12/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

المهندس المعماري اللبناني يوسف أفندي أفتيموس عام 1924، ثم تم استعمال الحجر الرملي ومن ثم الباطون في المرحلتين اللاحقتين قبل أن يتحوّل اليوم مع استخدام كبير للحديد إلى متحف لذاكرة بيروت ومركز ثقافي للفن الحديث. وأخذت عملية الترميم، وفق المهندس يوسف حيدر، مسارا مُشابها، فالطابق السفلي اعتمد في بنائه على الحجر الأصفر، وفي الثاني اعتمد الحجر الرملي، أما في سطح المبنى فاعتمد الباطون. معظم القطع المعروضة هي لصحون سيراميكية مصقولة ومتقاربة الأحجام طبخها المهندس يوسف حيدر، ثم قام “بوشمها” برموز وإشارات تجريدية وملونة تختلف عن بعضها البعض. وفي المعرض أيضا عدد من اللوحات التي استخدم فيها المهندس مربعات سيراميك متجانسة لتكوين هيئة شجرة ضخمة تتراءى بين أغصانها عين زرقاء جالبة لسوء الطالع، ليست الشجرة بشجرة الحياة لقدر ما تأن بما أثقل كاهلها من تفرعات متداخلة حدّ الاشتباك. وسيعثر زائر المعرض على اللون الأصفر “الخردلي” وعلى لون الباطون ولون الرمل في كل أعمال الفنان/المهند، وقد يطغى في بعضها اللون الذي يُشبه مسحوق الخردل ويقلّ في بعضها الآخر، ولكن دون أن يختفي. وبالرغم من أن حيدر طلا الأواني السيراميكية بطبقة شفافة لامعة أعطتها المزيد من الجاذبية، إلاّ أنها لم تخف التفتتات غير المرئية التي أخذت هيئة خطوط متعرجة حينا ومعقودة فمتلاشية حينا آخر، كما أن الرسومات غير المكتملة حينا والتجريدية حينا آخر والإشارات الوامضة التي تذكر كثيرا برسومات المغاور القديمة استطاعت أن تحيل المتفرّج إلى الأعمال الغرافيتية الحقة/الأصلية التي غزت جدران سراديب وأماكن المتقاتلين والقناصين. ومع ذلك، جمّل المهندس/الفنان أعماله المذكورة، وحوّلها إلى أوان تزخر بألوان جامدة مذاقها كمذاق الخردل اللاذع، متداخلة تخفي أكثر ممّا تتكلم، وبدا هذا واضحا حتى في الأواني التي استخدم فيها حيدر عجينة رملية معدنية وبرّاقة. وفي سياق مهمة ترميم مبنى ذاكرة بيروت، قال حيدر “منذ البداية تعاملت مع هذا المبنى ككائن حيّ وليس كحجارة، عمره 90 عاما يعني عنده ذاكرة وتاريخ وطبقات وجروح وتجاعيد، لم أشأ أن أجري له أي تجميل، بل سيبقى كما هو”. وبعكس ما صنعه في مبنى بيروت، لا سيما المبنى الجديد والملاصق له، جاءت صحونه الطائرة مُجمّلة ومرتفعة من أنقاض ما رآه في المبنى قبل الشروع في ترميمه، وقد ساهمت طريقة العرض الذكية التي استثمرت كل أساليب العرض المُمكنة في إخراج تلك الصحون من “شيئيتها” وتاريخها المُباشر المفعم بالمآسي. وبالرغم من عملية التجميل التي تلقتها هذه الصحون الناجية من أصلها، فثمة بضعة أعمال خرجت من جوف النار التي أرسلها المهندس/الفنان يوسف حيدر إليها ليُسمع منها كلمات كتلك التي كتبها أحد القناصين وتُركت للذكر بعد الترميم على جدران المبنى التاريخي، كلمات تقول “أريد أن أقول الحقيقة: أصبحت روحي قذرة”.

مشاركة :