.. والله زمان يا سلاحي

  • 10/27/2017
  • 00:00
  • 21
  • 0
  • 0
news-picture

قد لا يعرف معظم جيوش العالم من هو كارل ماركس ولا لينين ولا ستالين ولا خروشوف ولا بودغورني ولا بريجنيف ولا يلتسين ولا غورباتشوف، وكلهم من أبرز مؤسسي وقادة الاتحاد السوفييتي (السابق)، ولكن الجيوش كلها والميليشيات تعرف «كلاشينكوف» السلاح الأكثر فتكاً في المجالين العسكري والمدني، والذي أخذ اسمه كما يعرف الجميع من اسم مخترعه «العريف» الروسي ميخائيل كلاشينكوف. بهذا الاختراع الذي لا يندثر ارتقى كلاشينكوف إلى مستوى نجومية يوري غاغارين أول رائد فضاء روسي. وكانت الكلبة «لايكا» قبل غاغارين هي نجمة الفضاء السوفييتي بعد أن حلقت في مركبة وحدها في عام 1957م معلنة بدء مسيرة الإنسان والحيوان نحو الكواكب البعيدة، وأصبحت تلك الكلبة ثم غاغارين، فكلاشينكوف دُرر التقدم العلمي السوفييتي في الفضاء والأرض. لكن هذا المقال ليس عن هؤلاء الثلاثة: إنه عن العلاقة بين الإنسان والسلاح منذ أول سلاح استخدمه الإنسان البدائي، وهو الحجارة وأغصان الأشجار ثم الهراوة، إلى الرماح والسيوف والمنجنيق والبنادق وصولاً إلى الدبابات والمدافع والطائرات والصواريخ والغواصات والقنابل الذرية والكيمياوية، وآخرها الدهس بالسيارات عمداً والأحزمة الناسفة والعبوات اللاصقة. خلال القرن الأخير كانت نماذج الأسلحة هي اللعبة المفضلة لدى جميع الأطفال الذكور. وفي عيد ميلادي السابع أهداني جدي (رحمه الله) خنجراً محترماً وهو يقول لي: «ستصبح من الآن فصاعداً عنترة بن شداد»! على الرغم من أني كنت أفضل في تلك السن أن أكون «طرزان» الذي شاهدت أحد أفلامه الأولى على شاشة متنقلة تعرضه سيارة تابعة لشركة النفط البريطانية «B.P» في مدينة خانقين العراقية الحدودية مع إيران. وعندي صورة لي عارياً إلا من لباسي الداخلي واقفاً مثل طرزان بعضلات تشبه أغصان القصب! في كل متاجر ألعاب الأطفال تجد البيع الرائج من نصيب الأسلحة كالمسدسات والبنادق والرشاشات الضوئية والصوتية والمفرقعات. أما الأعراس في بلادنا فهي ميدان حرب من هول ما نسمع من إطلاق الرشاشات والمسدسات والخرطوش والبنادق الأميركية الحديثة. وفي الدول الإفريقية كل الاحتفالات الحديثة فيها رماح فولكلورية وبنادق ورشاشات بعد أن كانت في أفلام الأسود والأبيض رماحاً وقدور مياه على النار لسلق جثث الأعداء والمتسللين البيض. وحين كبرنا صار «جيمس بوند» قدوتنا بأسلحته العجيبة وسياراته المدرعة وحسناواته من الجاسوسات وعميلات المخابرات. ولما بدأت زوجتك تُعيرك بالشيب وهو وقار أطلّ علينا رئيس كوريا الشمالية الحالي بصواريخه وقنابله النووية والهيدروجينية مكتوباً عليها «إلى أميركا مع حبي». وتوصل الإيرانيون بعد ثورتهم إلى سلاح لم ينافسهم فيه أحد، وهو «الملالي». وهذا السلاح بعمامة بيضاء صيفاً وسوداء شتاء ويباع بالجملة والمفرد في الحوزات ومقرات الميليشيات و«السوبر ماركت». في إحدى سنوات التسعينيات من القرن الماضي كتبت مقالاً إفتتاحياً في جريدة «بابل» التي كان يرأس تحريرها المرحوم عدي صدام حسين تسبب في إغلاق الجريدة لمدة أربعة أيام بأمر من الرئيس الراحل صدام حسين نفسه. وكنت قد دشنت مع زميلي الدكتور هاشم حسن سلسلة مقالات افتتاحية في الجريدة التي كانت الأوسع انتشاراً في العراق منذ صدورها في منتصف التسعينيات وحتى إغلاقها مع الاحتلال الأمريكي. وكانت هذه المقالات تحمل السلّم بالعرض قياساً بافتتاحيات الصحف الحكومية. ورَدّ عدي على إغلاق الصحيفة باهدائي مع الدكتور هاشم مسدسين عاطلين عن العمل! وتبين أن أحد أفراد الحاشية استولى على المسدسين الثمينين وأرسل لنا آخرين اعتماداً منه على أننا لا نجرؤ على إخبار المرحوم بما فعل السفهاء منا! ولزمنا الصمت فعلاً. وبعد أن استأنفت الصحيفة صدورها كتبتُ مقالاً آخر من النوع «الحلوف» على رأي عادل إمام تلقت الصحيفة عليه إنذاراً من وزير الإعلام بإغلاقها إلى الأبد. وتلقيت مسدساً فضياً ثانياً من عدي. ولو لم يحدث الاحتلال لكان بيتي قد تحول إلى قاعدة عسكرية تنافس قاعدة «العيديد» في قطر و«أنجرليك» في تركيا و«غواتيمالا» في كوبا. وجاء يوم في شتاء عام 1990م تلقت فيه السفارة العراقية في القاهرة من بغداد علبة أنيقة تضم مسدساً مميزاً هدية من الرئيس العراقي الراحل صدام حسين إلى الشاعر المصري الراحل محمد التهامي. وبعد ثلاثة أيام من تسلمه المسدس اتصل بي السفير الدكتور نبيل نجم وأبلغني أن القصر الجمهوري في العراق بعث هدية أخرى إلى الشاعر محمد التهامي وهي مسدس محترم! اتصلت بالشاعر التهامي راجياً التفضل بزيارتنا في السفارة لتسلم هدية أخرى، وحين اكتشف أن الهدية الثانية هي مسدس أيضاً، صمت وامتقع وجهه ورفض تسلمه لسببين: أولهما أنه كان يتمنى أن تكون الهدية مكافأة محترمة بالدولار أسوة بالفائزين بجائزة صدام، والسبب الثاني، كما قال، إن الأجهزة الأمنية إذا اكتشفت أن شقته تضم مسدسين ستتهمه بمحاولة قلب نظام الحكم! وقهقهنا بصوت عال. ثم أردف قائلاً على طريقة عادل إمام وزجاجة الكوكا كولا: لا يا عم حاخد المسدس وأعلقوا في النجفة!

مشاركة :