أستنير أولاً هنا بالنور النبوي المعجز في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم في وصف الخوارج، حيث عدّ من صفاتهم أنهم أولاً طائشوا العقول لأنهم مراهقون حدثاء الأسنان سفهاء العقول والأحلام، تستفزهم الأحداث وتستثار عواطفهم ويتهيج غضبهم سريعاً، ويندفعون بتطبيق مايقتنعون به بالقوة، وقال في صفتهم الثانية إنهم يقولون ويتحدثون بكلام خير الناس ولذلك تسمع ألسنتهم تتحدث بقال الله وقال رسوله ولكنهم يفهمون من النصوص مايريدون فهمه ويخدم قضيتهم في تكفير الناس والحكم عليهم بالضلال، ولذلك أخبر في صفتهم الثالثة ان هذا القرآن الذي يقرأونه لا يجاوز حناجرهم فلا يصل إلى أفئدتهم ولا يحيي فطرهم السوية ولا يحرك عقولهم الفاسدة، ثم الصفة الرابعة لهم حيث أخذوا من الدين أفعاله الظاهرة من كثرة صلاة وصيام وقراءة قرآن وتركوا من الدين المعاني الأصلية من الرحمة والعدل والإحسان والرغبة في هداية الناس ولذلك قال عنهم إنهم بهذا الفصل يمرقون من الإسلام حتى أن نبي الرحمة أمر بقتلهم ورتب على ذلك الأجر العظيم لعظم خطرهم على دين الأمة وأمنها، ثم صفتهم الخامسة عدم الرضوخ لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم دون تأويل أو لي لأعناق النصوص اغتراراً منهم بقوة الشباب أو حماسة المراهقة حتى ان أولهم قال للنبي وهو يقسم الغنائم(اعدل يا محمد) وهي كلمة يقصد بها أنه يحب العدل أكثر من الرسول الموحى إليه وأنه يرى المصلحة أكثر من النبي وهذا مفهوم خطير يدل على نفسية متكبرة متعجرفة متعالية تعظّم نفسها وترى أنها هي الوحيدة التي تعرف الحق وأن ماعداها باطل فهي بالتالي الأفضل والأبقى والأعظم، كما أن هذه الشخصية أيضا تتصف بالبارانويا فتتوهم بأنها مضطهدة وأن حقوقها مسلوبة لذلك تحمل الكره للآخرين ولا ترغب بالتسامح ولا تقبل بالمرونة ولا ترضى منك إلا بأن تكون منهم تبعاً لهم وإلا فإن القتل هو الخيار الثاني..!! وعندما تجتمع الشخصية النرجسية المعظِّمة لأمرها مع الشخصية التي تتوهم أنها مضطهدة من الآخرين فإنك تحصل على مزيج فصامي يقوم بالإخلاص لفكرته التكفيرية أحادية الحق لحد الانتحار وقتل النفس في سبيلها وكأن هذه الفكرة التكفيرية حق مطلق لا يقبل التفكير أو النقاش أو المراجعة أو كأنها فكرة نزل بها نص قرآني أو حديث نبوي يحدد فيها الكافر بعينه، ولأن هذا غير موجود فإن الداعشي يقدس شيخه الشرعي ويطبق فتاواه ولو كان شيخاً مغموراً أو شاباً مراهقاً عنده أثارة من علم، وتتبلور هذه الشخصية الفصامية حتى تتلذذ بالقتل بالدم البارد دون أن يطرف لها جفن أو تشعر بالذنب أو الندم. انتهت المقالة وكنت أظن أني أستطيع أن أوجز التحليل إلا أن البقية لا بد أن تطرح في المقالة القادمة. ، وعلى دروب الخير نلتقي ...
مشاركة :