برة وجوة \بقلم داود الفرحان سين سؤال: ماذا تعرف عن الدولمة؟

  • 12/8/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

2017/12/07 من الأسئلة الشائعة على ألسنة الصحافيين ومقدمي برامج «التوك شو» التلفزيونية ونشرات الأخبار: كيف تقرأ البيان الفاخر الذي صدر مؤخراً والذي نعتبره إنجازاً تاريخياً يهدف إلى خدمة الشعب العظيم ضمن سلسلة من الإنجازات التي لا تُعد ولا تُحصى، وهل تعتقد أن أحداً من قصيري النظر وعاقدي الحاجبين والمصطادين في المياه العكرة يمكن أن يعارض هذا الإنجاز الحضاري؟ أو: أصدر سلطان تنجانيقا مرسوماً سلطانياً بتشكيل المجلس الأعلى لشدّ الأحزمة على البطون حفاظاً على صحة المواطنين ورشاقتهم وهو ما نحتاجه فعلاً في مجتمعاتنا التي ضربت أرقاماً قياسية في الكروش المستديرة. ما هو تعليقك يا دكتور على هذه الظاهرة الحضارية التي نعتقد أنها ستضاف إلى إنجازات القيادة؟ أو: كيف ترى يا هل ترى ما جرى؟ وهل تعتقد سيادتك أن ما جرى يا هل ترى كما ترى؟ أو هل يا ترى لا ترى ما جرى؟ طبعاً عقب هذه الأسئلة، ليست ضرورية ولا مهمة ولا تساوي باقة فجل آراء المحللين الإستراتيجيين (وهم أكثر من العدس في سوق البرامج). فالمهم هو رأي المذيع الذي صار قائداً في المجتمع بلا انتخابات أو المذيعة التي تهتم بتسريحتها ومكياجها وملابسها أكثر من موضوع الأسئلة. والفارق شاسع بين هؤلاء المذيعين ومذيعة تلفزيون «بي. بي. سي» عربي المصرية رشا قنديل مقدمة برنامج «نقطة حوار» التفاعلي الأكثر شعبية وموضوعية ومهنية وتأثيراً بين كل برامج الحوارات و«التوك شو» مع استثناءات قليلة. في الثمانينيات زار وزير أجنبي بغداد لأول مرة فبادره المذيع على حين غرةّ في المطار بسؤال في الصميم: «ما هو انطباعك عن بغداد كما شاهدتها من الجو؟! وحين تنحنح الوزير الأجنبي باغته المذيع بسؤال من العيار الثقيل: هل ذقت الدولمة العراقية؟! وفي بداية الألفية الثالثة سأل صحافي عربي وزيراً للخارجية: كيف تقرأ السيول التي أغرقت مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية في البلاد؟! ولا أستثني نفسي، ففي بداية عملي مراسلاً محلياً لوكالة أنباء الشرق الأوسط في نهاية الستينيات، أجريت مقابلة في بغداد مع رئيس وزراء لبنان الراحل تقي الدين الصلح، وكان شهيراً بنكاته الشعبية اللاذعة وطربوشه العثماني، وسألته: ما هو انطباعك عن أبناء الرافدين؟ فأجاب بلا تردد «بصفتي ابن الكلب لا أملك إلا تحية حب لأبناء الرافدين». وكان المرحوم يقصد «نهر الكلب» وهو أشهر أنهار البلد الشقيق لبنان! ومن يومها أقلعت عن الأسئلة الإنشائية السخيفة. أودعت أسرة أمريكية جدها في دار للعجزة مثل عائلات أمريكية كثيرة، ودور العجزة في الدول المتقدمة فنادق ممتازة أو بيوت محترمة لا يشعر فيها كبار السن بالغربة أو المهانة كما يحدث في ديارنا المتحضرة. وبعد فترة زارت صحافية أمريكية الدار وسألت الجد سؤالاً تاريخياً اقتبسته كما يبدو من مذيعينا ومذيعاتنا: كيف تشعر هنا؟ أجاب الجد: إنها حياة رائعة. كل مَن هنا مجامل ومحترم. فهناك موسيقي عمره (85) سنة لم يعزف على الساكسفون خلال العشرين عاماً الأخيرة، لكن الجميع يناديه: «المايسترو». وهناك قاض عمره (95) سنة ترك منصة المحكمة منذ ثلاثين عاماً لكن الجميع يناديه: «معاليك». وهناك طبيب أسنان عمره (90) عاماً لم يفحص أية أسنان منذ ربع قرن، لكننا نناديه: «يا دكتور». وهناك تاجر عمره قرن كامل، لم يتاجر منذ نصف قرن، لكننا نناديه: «علي بابا». وبيننا لص عمره (77) سنة لم يسرق أحداً منذ ثلاثين عاماً، ونحن نناديه: «يا سيادة الشريف». وبيننا أيضاً سياسي عمره مائة عام وترك منصبه الوزاري قبل نصف قرن ونحن نناديه: «صاحب الفخامة». واختتم الجد إجابته بقوله: أما أنا فالكل يناديني يا «روميو» لأني حدثتهم عن مغامراتي النسائية.. وصدقوها! وهذا المثل إجابة زاهية عن سؤال باهت. سألوا ذات يوم الكاتب الإنجليزي الساخر برناردشو: أليس الطباخ أنفع للأمة من الشاعر أو الأديب؟ فقال: الكلاب تعتقد ذلك! ورأت الراقصة فيفي عبده عندما أرادت ركوب سيارتها الفاخرة الأديب نجيب محفوظ وهو راكب سيارة متواضعة للغاية فقالت: «بص الأدب عمل فيك إيه»! فردّ عليها أديب نوبل قائلاً: «وبصي قلة الأدب عملت فيكي إيه»! وسأل ثقيل دم الشاعر العباسي الضرير بشار بن بُرد: ما أعمى الله رجلاً إلا عوضه، فبماذا عوضك؟ فرد عليه بشار: بأن لا أرى أمثالك! وأنا هنا أقدم نصيحة لوجه الله أن يستعين المذيعون بأسئلة مجالس الخدمة العامة التي تنظم امتحانات دورية للمتقدمين لشغل وظائف إدارية في الحكومة «تحقيقاً للعدالة ومنعاً للمحسوبيات». فقد جرى اختباري مع غيري من المتقدمين للتعيين في أمانة العاصمة بوظائف إدارية، وكان أحد الأسئلة: اذكر عشر فتوحات إسلامية وقائد كل منها، كأننا مقبلون على الالتحاق بكلية الأركان. لكن هذا السؤال يبدو منطقياً مع مقابلات الاختبار في السودان الشقيق، حيث كان المطلوب من المتقدمين للعمل في وزارة الإعلام هناك ترجمة بيت الشعر التالي لإمرئ القيس من العربية إلى الإنجليزية: «مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعاً.. كَجُلْمُوْدِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ»! وفي الخرطوم أيضاً واجه المتقدمون لإشغال وظائف غير عسكرية في القوات المسلحة أسئلة من نوع: «كيف تُفرق بين أسماك القرموط والبلطي؟» و«كم هو عدد الضباط والجنود السودانيين الذين استشهدوا في الحرب العالمية الثانية؟» و«ما هي الفيتامينات الموجودة في الفول السوداني؟» و«من نزل إلى الأرض من السماء أولاً آدم أم حواء؟ اثبت ذلك» و«متى ظهر أول طابع بريد سوداني وكم كان سعره وقتها؟» و«ما رأيك لماذا كل الأنبياء رجال؟» .. طبعاً سؤال المذيع العراقي للوزير الأجنبي عن الدولمة أسهل بكثير وألذّ!

مشاركة :