طلال عوكل يكتب: معالجات متخلفة لمخططات متقدمة

  • 1/21/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

بعد كثير الحديث من قبل عدد كبير من المسؤولين السياسيين الفلسطينيين، الذين يمثلون مختلف الأطياف، حول مرحلة جديدة من النضال الوطني التحرري، يجتمع المجلس المركزي ليتخذ جملة من المواقف التي تشكل ردا نظريا حتى الآن على القرارات الأمريكية الإسرائيلية، التي تسقط أبرز الحقوق الفلسطينية. قد تصلح تلك القرارات لأن تشكل الحد الأدنى السياسي، الذي يلتقي عليه الفلسطينيون، لكن المشهد الانقسامي الذي ظهر قبل وخلال وبعد انعقاد المجلس في غياب حركتي حماس والجهاد، والتمثيل الرمزي من قبل الشعبية، هذا المشهد يتواصل مع مرحلة ما بعد انعقاد المجلس. عاصفة الشكوك حول ما يمكن للمجلس أن يتخذه من قرارات ترتقي إلى مستوى خطورة المرحلة الجديدة، تحولت إلى عاصفة حول الشكوك بإمكانية تنفيذ ما تم اتخاذه. يسوق  المشككون سابقة الدورة السابعة والعشرين، التي اتخذت قرارات من بينها وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال في آذار 2015 ليستنتجوا أن الأمر قد يتكرر مع القرارات الجديدة. وبصراحة فإن مرور أكثر من أسبوع منذ كتابة هذا المقال دون أن يصدر قرار واحد تنفيذي، يعزز مبررات المتشككين، ويترك مجالاً أوسع لشكوك من أنواع مختلفة تتصل بمدى صدقية الدوافع، والالتزام بما تقرر في دورة المجلس طالما بقي الباب مواربا على إمكانية إنعاش عملية السلام. في الواقع فإن السياسة الأمريكية الإسرائيلية التي تسقط حقوق الفلسطينيين في القدس واللاجئين والحدود، لم تبق مجالا لأدنى مستوى من التفاؤل بإمكانية استعادة الحيوية لعملية السلام التي ماتت منذ زمن، ويكابر الكثيرون بشأن وجودها حية ترزق، وإن كانت في غرفة الإنعاش. في القراءة السياسية المعمقة لاتجاه تطور السياسة الأمريكية الإسرائيلية وما يرافقها على المستوى الدولي والإقليمي وأيضا العربي، يمكن اعتبار قرارات المجلس المركزي أعلى مستوى من طبيعة الوضع السياسي الفلسطيني بما يشهد عليه من انقسامات وضعف، لكنها أدنى كثيرا من مستوى طبيعة وخطورة السياسة الأمريكية الإسرائيلية والمدى الذي قطعته على طريق فرض مخططاتها التصفوية. نعلم أن الفلسطينيين لا يستطيعون اتخاذ استراتيجيات وسياسات و مواقف من شانها أن تحدث انقلابا جذريا على مراهناتهم السياسية، حيث تفترض معرفة اتجاهات السياسة الأمريكية الإسرائيلية إعلان الصراع على كل الأرض والحقوق الفلسطينية التاريخية. كان من المفروض أن يبادر الفلسطينيون منذ سنوات لإعادة رص صفوفهم وتمكين أوضاعهم الداخلية، حتى يتحضروا لمثل هذه الرؤية في الصراع، لكنهم لم يفعلوا ولا يفعلوا ذلك حتى الآن. هكذا تكون المسافة بين السياسات الفلسطينية والسياسات الأمريكية الإسرائيلية النافذة واسعة لا تجسرها قرارات المجلس المركزي. تماما مثلما هو حال العرب الذين ينتمي إليهم الشعب الفلسطيني إذ تفصلهم عن ركب الحضارة العالمية مئات السنين، لكنهم ما زالوا يتغذون على أصالة أعراقهم وانتماءاتهم القبلية وأفكارهم. وفيما لا تنفع الفلسطينيون العودة لشعارات عربية سابقة لسبب تجاهلهم لأهمية التخطيط الاستراتيجي، فإن عليهم أن يقرأوا جيدا وأن يبنوا سياساتهم انطلاقا من مصداقية ما تكون إسرائيل قد أعلنته منذ سنوات. هل نذكر اليوم بمشروع توطين الفلسطينيين في سيناء الذي طرح عام 1955، وهل نذكر بما تضمنه كتاب شمعون بيريز حول الشرق الأوسط الجديد، وهل نذكر بفهم إسرائيلي لمضمون مجلس الأمن الدولي رقم 242…. تطول القائمة ونعود لنذكر بمقولة شارون حول الأردن الوطن البديل، ومقولات دولة غزة المتوسعة في سيناء. سنوات كثيرة تمر دون أن تسقط الأهداف الاستراتيجية التي تذكر الكل بطبيعة وأهداف المخطط الصهيوني، الذي وقفت وتقف خلفه الدول الاستعمارية والذي يستهدف تصفية القضية الفلسطينية. يقول موقع 24 الإخباري نقلا عن نيويورك تايمز أن ترامب خلال حضوره مؤتمر لأيباك قال:”إن سيناء هي وطن الفلسطينيين”. يرى ترامب أن ثلاثين ألف كيلو متر تستقطع من سيناء يمكن أن تستوعب 25 مليون فلسطيني وهم اليوم على حد قوله تسعة ملايين، وأن بإمكانه أن يجمع ثمانمائة مليار دولار لا تدفع منها بلاده دولارا واحدا لإقامة تلك الدولة. الأمريكيون والإسرائيليون لا يطلبون موافقة من أحد فحين تعز هذه الموافقة، فإنهم يتحركون عمليا لخلق الظروف المناسبة لتحقيق وفرض ما يخططون له. وفق هذه الرؤية ينبغي أن تدق أجراس الخطر في عمان والقاهرة، فضلا عن فلسطين المحتلة، إذ لا يمكن إطلاقا تجاهل مدى جدية ما يصدر من قرارات وافكار عن مستويات اتخاذ القرار في أمريكا وإسرائيل. وليتذكر الجميع أن أفلام الخيال العلمي، كانت الملهمة للعلماء الذين تجاوزا الأفكار التي طرحتها تلك الأفلام قبل أكثر من خمسين عاما، والأمر قد لا يختلف في مجال السياسة.

مشاركة :