تمتلك مصر طاقة بشرية كامنة داخل شعب كثيرًا ما بحث عن ذاته وسط صراعات ومتاهات الحياة التى صنعها له أعداؤه واحدة تلو الأخرى، وللأعداء من اليقين ما يؤكد قدرات هذه الدولة الضاربة بجذورها فى أعماق التاريخ الإنسانى، والتى سطرتها سواعد شعب على صفحات الزمن، وقد شهد للأيدى العاملة المصرية العدو قبل الصديق والتى كانت ولسنوات مصدرا من مصادر الدخل القومى عندما غزت الطاقة البشرية المصرية دول العالم وساهمت فى بناء حضارات أخرى مثل الحضارة اليونانية أو العثمانية فى عهد سليم الأول. ولكن منذ عــــدة عقــــود، خاصة العقد الأخير، بدأت هذه العمالة فى الاضمحلال والتلاشى بل والانقراض وانصرف العديد من الشباب إلى بعض المهن التى لا تحتاج إلى مهارات بل وتفتقر إلى أدنى درجات الإبداع وعلى رأسها سائق التوك توك أو العمل داخل المقاهى، فلم نعد نرى صبية كالماضى داخل ورشة خراطة أو ميكانيكا أو نجارة أو غيرها من الأعمال الحرفية والتى تُنذر بوجود فجــــوة مستقبلية بين الجيل السابق الحامل لخبرات ومهارات هذه المهن والأجيال القادمة وصولًا إلى الزمن الذى لا نجد فيه من يصلح لنا سيارة أو بابا داخل المنزل، ما يدفعنا إلى سد الفجوة عن طريق الاستيراد من الخارج بما يضاعف أعباءنا الاقتصادية ويقتل حلم التحول من مجتمع استهلاكى إلى مجتمع منتج يمتلك مقدراته وحريته. ولعل البحث عن قصة "الأيدى النائمة" والتى اقتبستها من قصة "الأيدى الناعمة" للكاتب الكبير توفيق الحكيم والتى حولها المبدع يوسف جوهر إلى سيناريو سينمائى يعد من روائع السينما المصرية حين جسد حياة أحد الأثرياء العاطلين بداية من الكبرياء المفرط وصولًا إلى العمل بدافع الحب لإعلاء قيمة العمل وقت كثر فيه عاطلو العمل بالوراثة، فقصة "الأيدى النائمة" هى مشروع قصة لورشة مستلزمات الموبيليا تم إغلاقها وتسريح العاملين فيها بعد أن غــــزت المنتجات الصينية الأسواق المصرية وتسببت فى غلق العديد من الورش، فانصرف العمال المهرة كل إلى وظيفة لسد احتياجات أسرته المعيشية. ويتولى أحدهم رحلة البحث عن أسباب رخص المنتج الأجنبى حتى يصل إلى أسباب ارتفاع تكفة المنتجات المصرية ويعمل على إدخال بعض التعديلات والابتكارات الجديدة مع الاكتفاء بهامش ربح متواضع مع رفع مشاعر الوعى القومى لدى العملاء السابقين لورشته، ويعمل على إعادة أصدقائه وفتح الورشة المغلقة من جديد، ما يدفع الورش الأخرى المجاورة إلى الحـــذو حـــــذو هذا الشاب لتفتح أبواب الأمل على مصراعيها لاستقبال المستقبل، وبذلك تعود هذه الأيدى النائمة إلى العمل مرة أخرى وتبدأ معها رحلة استعادة الهوية المصرية المفقودة. فالأيدى النائمة بنومها ستكون هى الخطر على الاقتصاد المصرى على المدى القريب والبعيد، ففى الوقت الذى تسعى فيه الدولة إلى بناء مصانع جديدة وإعادة تشغيل بعض المصانع التى افترس ماكيناتها سرطان الصدأ الإدارى، لن تجد الأيدى العاملة التى تديرها وتساهم فى مواجهتها لمنافسة إقليمية ودولية شرسة، ولا يمكن تجاهل دور الدولة ومؤسساتها ومحاولاتها بين الحين والآخر لإنقاذ بعض المهن ورفع كفاءة العاملين بها ولكنها وللأسف لا تتعدى عقد مؤتمر أو إطلاق مبادرة إعلامية تزينها شهادات التكريم والصور التذكارية، بل إن الموضوع يحتاج إلى مشروع قومى تشارك فيه كل مؤسسات الدولة الرسمية والمجتمعية لإعادة الروح إلى تلك الأيدى النائمة وبحث جميع السبل التى من شأنها زراعة الأمل للأجيال القادمة.
مشاركة :