اقلط على الموجود - عبد العزيز المحمد الذكير

  • 11/5/2014
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

تروي القصص الشفهية أن رجلا عُرف بالشراسة وحب الزعامة وإحاطة حضوره بمناصرين وأتباع نزل ضيفا على رجل من أهل الوشم. وكالعادة كان ذلك الضيف منتظرا المبالغة بالإكرام. لكن المضيّف لم يكن لديه الكثير مما يُقدم في ذلك اليوم، ما دعاه إلى أن يذبح تيساً وقدمه وسط بادية جريش كبيرة، وبعض التمر واللبن. وعندما بدأ الضيف ومن معه بالأكل تبين أن اللحم هو لحم تَيْس. فقال الضيف: ما تستحي يا فلان، تقدّم للشيخ واخوياه تيس ؟ قوموا ياخوياي. ورغم أن المجموعة كانت في أشد الحاجة للغذاء والضيافة إلا أنهم تركوا ذلك نزولا عند رغبة "شيخهم". ساروا في طريقهم في منطقة "السّرّ" ونزلوا عل صاحب مزرعة عندما مسهم الجوع. ولم يكن لدى صاحب المزرعة شيئا يؤكل سوى "دخن" وهو نوع من الحبوب، فطلب من أهله إعداده على شكل جريش، ويقترب من الشوربة. وشاهد الضيوف ما قُدّم لهم فأكلوا مرغمين. فالتفت أحد المرافقين إلى "الشيخ" وقال: الله يذكرك بالخير يا فلان (وذكر اسم مضيّفهم الأول). وتاريخنا يقول إنه - أي اللحم - كان أكثر طعام أهل البادية. وتأصلت هذه العادة ولم يعد باستطاعتنا التخلص منها رغم البدائل الكثيرة.. الأقل كلفة.. ودماء..! ومن بين التفسيرات لإفراطنا في أكل اللحم أن البدوي يظل أياماً دون أكل دسم لذا فهو يفرط في اللحم إذا وجده. والطب الحديث يؤكد أن اللحم هو إحدى الطرق الأكيدة إلى متاعب المعدة والأمعاء. والمعترضون على الإفراط في اللحم - وهم على صواب - أن أكثره لا يؤكل. ونصيبه براميل النفايات وتغذية القطط.. مع ما يصاحب هذا من روائح مخلفات الذبيحة وأعتقد أن لمعارضتهم أساساً ومبرراً. (Lahmo) كما تُجمع موسوعات التجذير على أن كلمة لحم مُقتبسة من الآرامية. والغرب يحرص على أكل لحوم البقر. وحتى عهد قريب كان لحم الخراف الصغيرة "الهرفي" الطعام المفضل والدال على المبالغة في إكرام الضيف. إلاّ أننا في السنوات الأخيرة لاحظنا أن "التيوس" حظيت بنصيب أوفر من الحب والتفضيل. ولا نعلم هل هذا من رغبات النفس في التغيير أم أنه نوع من سوء التوازن؛ لأن تقديم التيس كان حتى عهد قريب عادة مذمومة عند عرب الجزيرة العربية. وعادة يمضي بعض الوقت قبل أن نتقبل عادة غذائية جديدة، إلاّ أننا فيما يخص "التيوس" أخذنا قفزات أرفع وأعلى وأكثر قبولاً.

مشاركة :