أسلوب الإدارة في أي مؤسسة مهما كان مجال وحدود عملها له تأثير كبير على أخلاقيات العاملين فيها وسلوكهم، فالملاحظ أن الإدارة المتشددة والإدارة الضعيفة تهيئان بيئة مشجعة على ارتكاب الأخطاء، فالعقوبة المبالغ بها مع المقصر، أو التساهل معه، وغض الطرف عن الأداء الضعيف، وعدم تقدير المتميز كل ذلك يؤدي إلى الإحساس العام بالظلم، الأمر الذي يدفع البعض إلى خرق القواعد، وممارسة سلوكيات غير مقبولة، كما أن القوانين والإجراءات المتشددة التي توضع أحيانا للضبط والربط تحدث ردات فعل عكسية حتى عند العاملين الجيدين، خصوصا إذا أخذنا بالاعتبار الطبيعة البشرية الميالة للأنانية وتفاوت الناس في الأخلاق حسب خلفياتهم وتربيتهم. العدالة والشفافية والمساواة والرقابة ووضوح أنظمة العمل وإجراءاته في أي إدارة كل ذلك ضامن أساسي لمنع التجاوزات والفساد، وكلما عومل الموظفون بعدالة سادت أخلاقيات العمل، والمدير القدوة لموظفيه في أخلاقه وتعاملاته وأدائه ينتقل أثره عليهم على مرالأيام. في مقالة نشرت منذ عامين على موقع (Buisness Insider) معتمدة على دراسة أجراها (Muel Kaptein) أحد الباحثين في موضوع إدارة الأخلاق في المنظمات، يلقي الكاتب الضوء على بعض الأسباب النفسية التي تدفع الناس أحيانا لارتكاب الأخطاء في العمل رغم أنهم ليسوا بطبيعتهم سيئين. من تلك الأسباب شعور بعض العاملين في المنظمات الكبيرة بأنهم ليسوا أفرادا بل مجرد أرقام أو تروس في الآلات، فهم يحسون أنهم مبعدون منفصلون عن أهداف المكان الذي يعملون به، وهذا الاستبعاد يؤثر في انتمائهم ويجعلهم عرضة لارتكاب الأخطاء التي تضر بسمعة المنظمة، كما أن إسراف بعض بيئات العمل في النفقات على الأدوات المكتبية والمناديل الورقية وغيرها يغري البعض بسرقتها وكأنها حق لهم، أو باعتبارها أشياء بسيطة لن ينتبه لها أحد، ومع تساهل الإدارة في المتابعة على مرور الزمن يتخطى هؤلاء الموظفون الحدود إلى أمور أكبر طبقا لمقولة المال السائب يغري بالسرقة، وقد يزداد الأمر سوءا إذا أحسوا أن المسؤولين يتصرفون بأسلوب مماثل وهو ما يعرف بتأثير البيئة، وقد يجدون مبررات لأفعالهم إذا كانت التجاوزات تحدث بطلب من مسؤوليهم لأنهم يشعرون عندها أنهم أقل تحملا للمسؤولية. ومع استمرار أخطاء العاملين وظهور التناقض بوضوح بين أقوالهم وأفعالهم يبدأون بتفادي الاتهامات والشكوك بمزيد من التحايل والتلاعب لحماية أنفسهم وهكذا تطول السلسلة. حتى الحالة الصحية وقلة النوم لها تأثيرها على سلوك الموظفين من ناحية ضعف السيطرة على النفس، وسهولة الوقوع في الخطأ، وقد لاحظت هذا بنفسي عندما كنت أجد بعض الموظفات المتعبات أو المريضات يقعن في الأخطاء أكثر مقارنة بأدائهن وهن في حالة جيدة. وإذا كان بعض الناس لديهم القدرة على مقاومة الأخطاء حتى ولو كلفهم ذلك الكثير، فإن البعض الآخر يتجاهل الانتهاكات مؤثرا الراحة والسلامة. هذه الدوافع وغيرها بغض النظر عن تفاوت وجهات النظر حولها يجدر أن تؤخذ في الاعتبار عند البحث في موضوع الفساد ووسائل مكافحته بكل أنواعه وصوره وأحجامه.
مشاركة :